المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٤٢
وقيل انفلق البحر عرضا وانفرق البحر على اثني عشر طريقا، طريق لكل سبط فلما دخلوها قالت كل طائفة غرق أصحابنا وجزعوا، فقال موسى : اللهم أعني على أخلاقهم السيئة، فأوحى اللّه إليه أن أدر عصاك على البحر، فأدارها فصار في الماء فتوح كالطاق يرى بعضهم بعضا، وجازوا، وجبريل صلى اللّه عليه وسلم في ساقتهم على ماذيانة يحث بني إسرائيل ويقول لآل فرعون : مهلا حتى يلحق آخركم أولكم، فلما وصل فرعون إلى البحر أراد الدخول فنفر فرسه فتعرض له جبريل بالرمكة فاتبعها الفرس، ودخل آل فرعون وميكائيل يحثهم، فلما لم يبق إلا ميكائيل في ساقتهم على الضفة وحده انطبق البحر عليهم فغرقوا.
وتَنْظُرُونَ قيل معناه بأبصاركم، لقرب بعضهم من بعض.
وقيل معناه ببصائركم للاعتبار لأنهم كانوا في شغل عن الوقوف والنظر بالأبصار.
وقيل : إن آل فرعون طفوا على الماء فنظروا إليهم.
وقيل المعنى وأنتم بحال من ينظر لو نظر، كما تقول : هذا الأمر منك بمرأى ومسمع، أي بحال تراه وتسمعه إن شئت.
قال الطبري رحمه اللّه : وفي إخبار القرآن على لسان محمد صلى اللّه عليه وسلم بهذه المغيبات التي لم تكن من علم العرب ولا وقعت إلا في خفي علم بني إسرائيل، دليل واضح عند بني إسرائيل وقائم عليهم بنبوة محمد صلى اللّه عليه وسلم.
وقرأ الجمهور «واعدنا».
وقرأ أبو عمرو. «وعدنا»، ورجحه أبو عبيد، وقال : إن المواعدة لا تكون إلا من البشر.
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : وليس هذا بصحيح، لأن قبول موسى لوعد اللّه والتزامه وارتقابه يشبه المواعدة، ومُوسى اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والتعريف، والقبط على ما يروى يقولون للماء «مو»، وللشجر «سا»، فلما وجد موسى في التابوت عند ماء وشجر سمّي «موسى».
قال ابن إسحاق : هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، ونصب أربعين على المفعول الثاني، ولا يجوز نصبها على الظرف في هذا الموضع، وهي فيما روي ذو القعدة وعشر ذي الحجة، وخص الليالي دون الأيام بالذكر إذ الليلة أقدم من اليوم وقبله في الرتبة، ولذلك وقع بها التاريخ.
قال النقاش :«و في ذلك إشارة إلى صلة الصوم، لأنه لو ذكر الأيام لأمكن أن يعتقد أنه كان يفطر بالليل، فلما نص على الليالي اقتضت قوة الكلام أنه عليه السلام واصل أربعين ليلة بأيامها».
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : حدثني أبي رضي اللّه عنه قال : سمعت الشيخ الزاهد الإمام الواعظ أبا الفضل بن الجوهري رحمه اللّه يعظ الناس بهذا المعنى في الخلوة باللّه والدنو منه في الصلاة ونحوه، وأن ذلك يشغل عن كل طعام وشراب ويقول : أين حال موسى في القرب من اللّه ووصال ثمانين من الدهر من قوله حين سار إلى الخضر لفتاه في بعض يوم :«آتنا غداءنا»؟ وكل المفسرين على أن الأربعين كلها ميعاد.