المحرر الوجيز، ج ١، ص : ١٥٨
ومَنْ في قوله مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ في موضع نصب بدل من الَّذِينَ، والفاء في قولهم فَلَهُمْ داخلة بسبب الإبهام الذي في مَنْ و«لهم أجرهم» ابتداء وخبر في موضع خبر إِنَّ، ويحتمل ويحسن أن تكون مَنْ في موضع رفع بالابتداء، ومعناها الشرط، والفاء في قوله فَلَهُمْ موطئة أن تكون الجملة جوابها، و«لهم أجرهم» خبر مَنْ، والجملة كلها خبر إِنَّ، والعائد على الَّذِينَ محذوف لا بد من تقديره، وتقديره «من آمن منهم باللّه».
وفي الإيمان باليوم الآخر اندرج الإيمان بالرسل والكتب، ومنه يتفهم، لأن البعث لم يعلم إلا بإخبار رسل اللّه عنه تبارك وتعالى، وجمع الضمير في قوله تعالى «لهم أجرهم» بعد أن وحد في آمَنَ لأن مَنْ تقع على الواحد والتثنية والجمع، فجائز أن يخرج ما بعدها مفردا على لفظها، أو مثنى أو مجموعا على معناها، كما قال عز وجل وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ [يونس : ٤٢] فجمع على المعنى، وكقوله وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ [النساء : ١٣] ثم قال خالِدِينَ فِيها [النساء : ١٣] فجمع على المعنى، وقال الفرزدق :[الطويل ]
تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني نكن مثل من يا ذئب يصطحبان
فثنى على المعنى، وإذا جرى ما بعد مَنْ على اللفظ فجائز أن يخالف به بعد على المعنى، وإذا جرى ما بعدها على المعنى فلم يستعمل أن يخالف به بعد على اللفظ، لأن الإلباس يدخل في الكلام.
وقرأ الحسن «و لا خوف»، نصب على التبرية، وأما الرفع فعلى الابتداء، وقد تقدم القول في مثل هذه الآية.
وقوله تعالى : وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ، إِذْ معطوفة على التي قبلها، والميثاق مفعال من وثق يثق، مثل ميزان من وزن يزن، والطُّورَ اسم الجبل الذي نوجي موسى عليه، قاله ابن عباس، وقال مجاهد وعكرمة وقتادة وغيرهم : الطُّورَ اسم لكل جبل، ويستدل على ذلك بقول العجاج :[الرجز]
دانى جناحيه من الطور فمر تقضّي البازي إذا البازي كسر
وقال ابن عباس أيضا : الطُّورَ كل جبل ينبت، وكل جبل لا ينبت فليس بطور، قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : وهذا كله على أن اللفظة عربية، وقال أبو العالية ومجاهد : هي سريانية اسم لكل جبل.
وقصص هذه الآية أن موسى عليه السلام لما جاء إلى بني إسرائيل من عند اللّه تعالى بالألواح فيها التوراة، قال لهم : خذوها والتزموها، فقالوا : لا إلا أن يكلّمنا اللّه بها كما كلمك، فصعقوا، ثم أحيوا، فقال لهم : خذوها، فقالوا : لا، فأمر اللّه تعالى الملائكة فاقتلعت جبلا من جبال فلسطين، طوله فرسخ في مثله، وكذلك كان عسكرهم، فجعل عليهم مثل الظلة، وأخرج اللّه تعالى البحر من ورائهم، وأضرم نارا بين أيديهم، فأحاط بهم غضبه، وقيل لهم خذوها وعليكم الميثاق ألا تضيعوها، وإلا سقط عليكم الجبل، وغرقكم البحر وأحرقتكم النار، فسجدوا توبة للّه، وأخذوا التوراة بالميثاق، وقال الطبري رحمه اللّه عن بعض العلماء : لو أخذوها أول مرة لم يكن عليهم ميثاق، وكانت سجدتهم على شق، لأنهم كانوا يرقبون