المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٣
فصورة قيام الحجة بالقرآن على العرب أنه لما جاء محمد صلى اللّه عليه وسلم به وقال : فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ [البقرة : ٢٣] قال كل فصيح في نفسه : وما بال هذا الكلام حتى لا آتي بمثله؟ فلما تأمله وتدبره، ميز منه ما ميز الوليد بن المغيرة حين قال :«و اللّه ما هو بالشعر ولا هو بالكهانة ولا بالجنون» وعرف كل فصيح بينه وبين نفسه أنه لا يقدر بشر على مثله، فصح عنده أنه من عند اللّه تعالى.
فمنهم من آمن وأذعن، ومنهم من حسد كأبي جهل وغيره ففر إلى القتال، ورضي بسفك الدم عجزا عن المعارضة، حتى أظهر اللّه دينه، ودخل جميعهم فيه، ولم يمت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفي الأرض قبيل من العرب يعلن كفره. وقامت الحجة على العالم بالعرب إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة، كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطباء، وفي معجزة موسى بالسحرة فإن اللّه تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما يكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره، فكأن السحر في مدة موسى قد انتهى إلى غايته، وكذلك الطب في زمن عيسى، والفصاحة في مدة محمد عليهم الصلاة والسلام.