المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٥٤
باب في الألفاظ التي يقتضي الإيجاز استعمالها في تفسير كتاب اللّه تعالى
اعلم أن القصد إلى إيجاز العبارة قد يسوق المتكلم في التفسير إلى أن يقول : خاطب اللّه بهذه الآية المؤمنين وشرف اللّه بالذكر الرجل المؤمن من آل فرعون، وحكى اللّه تعالى عن أم موسى أنها قالت :
«قصيه» ووقف اللّه ذرية آدم على ربوبيته بقوله : أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف : ١٧٢] ونحو هذا من إسناد أفعال إلى اللّه تعالى لم يأت إسنادها بتوقيف من الشرع.
وقد استعمل هذه الطريقة المفسرون والمحدثون والفقهاء، واستعملها أبو المعالي في الإرشاد، وذكر بعض الأصوليين أنه لا يجوز أن يقال : حكى اللّه ولا ما جرى مجراه.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وهذا على تقرير هذه الصفة له وثبوتها مستعملة كسائر أوصافه تبارك وتعالى، وأما إذا استعمل ذلك في سياق الكلام والمراد منه حكت الآية أو اللفظ فذلك استعمال عربي شائع وعليه مشى الناس، وأنا أتحفظ منه في هذا التعليق جهدي، لكني قدمت هذا الباب لما عسى أن أقع فيه نادرا، واعتذارا عما وقع فيه المفسرون من ذلك.
وقد استعملت العرب أشياء في ذكر اللّه تعالى تنحمل على مجاز كلامها، فمن ذلك قول أبي عامر يرتجز بالنبي صلى اللّه عليه وسلم :«فاغفر فداء لك ما اقتفينا». وقول أم سلمة : فعزم اللّه لي في الحديث في موت أبي سلمة وإبدال اللّه لها منه رسول اللّه. ومن ذلك قولهم : اللّه يدري كذا وكذا والدراية إنما هي التأتي للعلم بالشيء حتى يتيسر ذلك.
قال أبو علي :«و احتج بعض أهل النظر على جواز هذا الإطلاق بقول الشاعر الجوهري :[الرجز].
لا همّ لا أدري وأنت الداري قال أبو علي :«و هذا لا ثبت فيه لأنه يجوز أن يكون من غلط الاعراب».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : وكذلك أقول إن الطريقة كلها عربية لا يثبت للنظر المنخول شيء منها. وقد أنشد بعض البغداديين :[الرجز].
لا همّ إن كنت الذي بعهدي ولم تغيرك الأمور بعدي
وقد قال العجاج : فارتاح ربي وأراد رحمتي.
وقال الآخر : قد يصبح اللّه إمام الساري.