المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٦٩
وهذا يصف طعنة فأراد شددت، ومن ذلك قول أوس بن حجر :[الطويل ].
فملّك بالليط تحت قشرها كغرقىء بيض كنّه القيض من عل
أراد شدد، وهذا يصف صانع قوس ترك من قشرها ما يحفظ قلب القوس، والذي مفعول وليس بصفة لليط، ومن ذلك قولهم : إملاك المرأة وإملاك فلان إنما هو ربط النكاح، كما قالوا : عقدة النكاح، إذ النكاح موضع شد وربط، فالمالك للشيء شادّ عليه ضابط له، وكذلك الملك، واحتج من قرأ «ملك» بأن لفظة «ملك» أعم من لفظة «مالك»، إذ كل ملك مالك وليس كل مالك ملكا. والملك الذي يدبر المالك في ملكه حتى لا يتصرف إلا عن تدبير الملك. وتتابع المفسرون على سرد هذه الحجة وهي عندي غير لازمة، لأنهم أخذوا اللفظتين مطلقتين لا بنسبة إلى ما هو المملوك وفيه الملك. فأما إذا كانت نسبة الملك هي نسبة المالك فالمالك أبلغ، مثال ذلك أن نقدر مدينة آهلة عظيمة ثم نقدر لها رجلا يملكها أجمع أو رجلا هو ملكها فقط إنما يملك التدبير والاحكام، فلا شك أن المالك أبلغ تصرفا وأعظم، إذ إليه إجراء قوانين الشرع فيها، كما لكل أحد في ملكه، ثم عنده زيادة التملك، وملك اللّه تعالى ليوم الدين هو على هذا الحد، فهو مالكه وملكه، والقراءتان حسنتان.
وحكى أبو علي في حجة من قرأ «مالك يوم الدين» أن أول من قرأ «ملك يوم الدين» مروان بن الحكم وأنه قد يدخل في المالك ما لا يدخل في الملك فيقال مالك الدنانير، والدراهم، والطير، والبهائم، ولا يقال ملكها، ومالك في صفة اللّه تعالى يعم ملك أعيان الأشياء وملك الحكم فيها، وقد قال اللّه تعالى :
قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران : ٢٦].
قال أبو بكر :«الأخبار الواردة تبطل أن أول من قرأ «ملك يوم الدين» مروان بن الحكم بل القراءة بذلك أوسع ولعل قائل ذلك أراد أنه أول من قرأ في ذلك العصر أو البلد ونحوه».
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : وفي الترمذي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي اللّه عنهما قرؤوا «ملك يوم الدين» بغير ألف، وفيه أيضا أنهم قرؤوا «مالك يوم الدين» بألف.
قال أبو بكر : والاختيار عندي «ملك يوم الدين» لأن «الملك» و«الملك» يجمعهما معنى واحد وهو الشد والرّبط كما قالوا ملكت العجين أي شددته إلى غير ذلك من الأمثلة، والملك أفخم وأدخل في المدح، والآية إنما نزلت بالثناء والمدح للّه سبحانه، فالمعنى أنه ملك الملوك في ذلك اليوم، لا ملك لغيره.
قال : والوجه لمن قرأ «مالك» أن يقول : إن المعنى أن اللّه تعالى يملك ذلك اليوم أن يأتي به كما يملك سائر الأيام لكن خصّصه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه.
قال أبو الحسن الأخفش :«يقال «ملك» بين الملك، بضم الميم، ومالك بين «الملك» و«الملك» بفتح الميم وكسرها، وزعموا أن ضم الميم لغة في هذا المعنى، وروى بعض البغداديين لي في هذا الوادي «ملك» و«ملك» و«ملك» بمعنى واحد».