المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٧٠
قال أبو علي :«حكى أبو بكر بن السراج عن بعض من اختار القراءة ب «ملك» أن اللّه سبحانه قد وصف نفسه بأنه مالك كل شيء بقوله (رب العالمين) فلا فائدة في قراءة من قرأ مالك لأنها تكرير».
قال أبو علي ولا حجة في هذا، لأن في التنزيل أشياء على هذه الصورة، تقدم العام ثم ذكر الخاص، كقوله تعالى : هُوَ اللَّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ [الحشر : ٢٤] ف الْخالِقُ يعم وذكر الْمُصَوِّرُ لما في ذلك من التنبيه على الصنعة ووجوه الحكمة، وكما قال تعالى : وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [البقرة : ٤] بعد قوله : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ [البقرة : ٣] والغيب يعم الآخرة وغيرها ولكن ذكرها لعظمها، والتنبيه على وجوب اعتقادها، والرد على الكفرة الجاحدين لها، وكما قال تعالى :«الرحمن الرحيم» فذكر الرحمن الذي هو عام، وذكر الرحيم بعده لتخصيص المؤمنين به في قوله تعالى : وَكانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً [الأحزاب : ٤٣].
قال القاضي أبو محمد عبد الحق : وأيضا : فإن الرب يتصرف في كلام العرب بمعنى الملك كقوله :
[الطويل ] (و من قبل ربتني فضعت ربوب) وغير ذلك من الشواهد، فتنعكس الحجة على من قرأ «مالك يوم الدين» والجر في «ملك» أو «مالك» على كلتا القراءتين هو على الصفة للاسم المجرور قبله، والصفات تجري على موصوفيها إذا لم تقطع عنهم لذم أو مدح، والإضافة إلى يَوْمِ الدِّينِ في كلتا القراءتين من باب يا سارق الليلة أهل الدار، اتسع في الظرف فنصب نصب المفعول به، ثم وقعت الإضافة إليه على هذا الحد، وليس هذا كإضافة قوله تعالى : وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ [الزخرف : ٨٥]، لأن الساعة مفعول بها على الحقيقة، أي إنه يعلم الساعة وحقيقتها، فليس أمرها على ما الكفار عليه من إنكارها.
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : وأما على المعنى الذي قاله ابن السراج من أن معنى «مالك يوم الدين» أنه يملك مجيئه ووقوعه، فإن الإضافة إلى اليوم كإضافة المصدر إلى الساعة، لأن اليوم على قوله مفعول به على الحقيقة، وليس ظرفا اتسع فيه.
قال أبو علي : ومن قرأ «مالك يوم الدين» فأضاف اسم الفاعل إلى الظرف المتسع فيه فإنه حذف المفعول من الكلام للدلالة عليه تقديره مالك يوم الدين الاحكام، ومثل هذه الآية في حذف المفعول به مع الظرف قوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ [البقرة : ١٨٥] فنصب الشَّهْرَ على أنه ظرف والتقدير فمن شهد منكم المصر في الشهر، ولو كان الشهر مفعولا للزم الصوم للمسافر، لأن شهادته للشهر كشهادة المقيم، وشهد يتعدى إلى مفعول يدل على ذلك قول الشاعر :[الطويل ].
ويوما شهدناه سليما وعامرا والدين لفظ يجيء في كلام العرب على أنحاء، منها الملة. قال اللّه تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ [آل عمران : ١٩] إلى كثير من الشواهد في هذا المعنى، وسمي حظ الرجل منها في أقواله وأعماله واعتقاداته دينا، فيقال فلان حسن الدين، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في رؤياه في قميص


الصفحة التالية
Icon