المحرر الوجيز، ج ١، ص : ٧٣
بكسر العين في الماضي وفتحها في المستقبل نحو علم وشرب، وكذلك فيما جاء معتل العين نحو خال يخال، فإنهم يقولون تخال وأخال.
ونَسْتَعِينُ أصله نستعون نقلت حركة الواو إلى العين وقلبت ياء لانكسار ما قبلها، والمصدر استعانة أصله استعوانا نقلت حركة الواو إلى العين فلما انفتح ما قبلها وهي في نية الحركة انقلبت ألفا، فوجب حذف أحد الألفين الساكنين، فقيل حذفت الأولى لأن الثانية مجلوبة لمعنى، فهي أولى بالبقاء، وقيل حذفت الثانية لأن الأولى أصلية فهي أولى بالبقاء، ثم لزمت الهاء عوضا من المحذوف، وقوله تعالى :
اهْدِنَا رغبة لأنها من المربوب إلى الرب، وهكذا صيغة الأمر كلها، فإذا كانت من الأعلى فهي أمر، والهداية في اللغة الإرشاد، لكنها تتصرف على وجوه يعبر عنها المفسرون بغير لفظ الإرشاد، وكلها إذا تؤملت رجعت إلى الإرشاد، فالهدى يجيء بمعنى خلق الإيمان في القلب، ومنه قوله تعالى : أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ [البقرة : ٥] وقوله تعالى : وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [يونس : ٢٥] وقوله تعالى : إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص :
٥٦] وقوله تعالى : فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام : ١٢٥].
قال أبو المعالي : فهذه آية لا يتجه حملها إلا على خلق الإيمان في القلب، وهو محض الإرشاد.
قال القاضي أبو محمد رحمه اللّه : وقد جاء الهدى بمعنى الدعاء، من ذلك قوله تعالى : وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ [الرعد : ٧] أي داع وقوله تعالى : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ [الشورى : ٥٢] وهذا أيضا يبين فيه الإرشاد، لأنه ابتداء إرشاد، أجاب المدعو أو لم يجب، وقد جاء الهدى بمعنى الإلهام، من ذلك قوله تعالى : أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى [طه : ٥].
قال المفسرون : معناه «ألهم الحيوانات كلها إلى منافعها». وهذا أيضا بين فيه معنى الإرشاد، وقد جاء الهدى بمعنى البيان، من ذلك قوله تعالى : وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ [فصلت : ١٧].
قال المفسرون :«معناه بينا لهم». قال أبو المعالي : معناه دعوناهم ومن ذلك قوله تعالى : إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى [الليل : ١٢] أي علينا أن نبين، وفي هذا كله معنى الإرشاد.
قال أبو المعالي : وقد ترد الهداية والمراد بها إرشاد المؤمنين إلى مسالك الجنان والطرق المفضية إليها، من ذلك قوله تعالى في صفة المجاهدين : فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ [محمد :
٥] ومنه قوله تعالى : فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ [الصافات : ٢٣] معناه فاسلكوهم إليها.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي اللّه عنه : وهذه الهداية بعينها هي التي تقال في طرق الدنيا، وهي ضد الضلال وهي الواقعة في قوله تعالى : اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ على صحيح التأويل، وذلك بين من لفظ الصِّراطَ، والهدى لفظ مؤنث، وقال اللحياني :«هو مذكر» قال ابن سيده :«و الهدى اسم من أسماء النهار» قال ابن مقبل :[البسيط].
حتى استبنت الهدى والبيد هاجمة يخشعن في الآل غلفا أو يصلينا


الصفحة التالية
Icon