المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ١٥٧
فينشلي، وإذا كان الجارح يشرب من دم الصيد فجمهور الناس على أن ذلك الصيد يؤكل، وقال عطاء :
ليس شرب الدم بأكل. وكره أكل ذلك الصيد الشعبي وسفيان الثوري.
قال القاضي أبو محمد : وليس في الحيوان شيء يقبل التعليم التام إلا الكلب شاذا وأكثرها يأكل من الصيد ولذلك لم ير مالك ذلك من شروط التعليم. وأما الطير فقال ربيعة : ما أجاب منها إذا دعي فهو المعلم الضاري.
قال القاضي أبو محمد : لأن أكثر الحيوان بطبعه ينشلي، وقال أصحاب أبي حنيفة : إذا صاد الكلب وأمسك ثلاث مرات ولاء فقد حصل منه التعليم، قال ابن المنذر : وكان النعمان لا يحد في ذلك عددا، وقال غيرهم : إذا فعل ذلك مرة واحدة فقد حصل معلما وإذا كان الكلب تعليم يهودي أو نصراني فكره الصيد به الحسن البصري، فأما كلب المجوسي وبازه وصقره فكره الصيد بها جابر بن عبد اللّه والحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري وإسحاق بن راهويه، ومالك رحمه اللّه والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم على إباحة الصيد بكلابهم إذا كان الصائد مسلما قالوا : وذلك مثل شفرته، وأما إن كان الصائد من أهل الكتاب فجمهور الأمة على جواز صيده غير مالك رحمه اللّه فإنه لم يجوز صيد اليهودي والنصراني وفرق بين ذلك وبين ذبيحته وتلا قول اللّه تعالى : تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ قال فلم يذكر اللّه بهذا اليهود ولا النصارى، وقال ابن وهب وأشهب : صيد اليهودي والنصراني حلال كذبيحته، وفي كتاب محمد لا يجوز صيد الصابىء ولا ذبيحته وهم قوم بين اليهود والنصارى لا دين لهم وأما إن كان الصائد مجوسيا فمنع من أكل صيده مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وعطاء وابن جبير والنخعي والليث بن سعد وجمهور الناس، وقال أبو ثور فيها قولين : أحدهما كقول هؤلاء، والآخر أن المجوس أهل كتاب وأن صيدهم جائز، وقرأ جمهور الناس «و ما علمتم» بفتح العين واللام وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية «علّمتم» بضم العين وكسر اللام أي أمر الجوارح والصيد بها، والْجَوارِحِ الكواسر على ما تقدم، وحكى ابن المنذر عن قوم أنهم قالوا الْجَوارِحِ مأخوذ من الجارح أي الحيوان الذي له ناب وظفر أو مخلب يجرح به صيده.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول ضعيف أهل اللغة على خلافه وقرأ جمهور الناس «مكلّبين» بفتح الكاف وشد اللام والمكلب معلم الكلاب ومضريها ويقال لمن يعلم غير كلب مكلب لأنه يرد ذلك الحيوان كالكلب، وقرأ الحسن وأبو زيد «مكلبين» بسكون الكاف وتخفيف اللام ومعناه أصحاب كلاب يقال : أمشى الرجل كثرت ماشيته وأكلب كثرت كلابه، وقال بعض المفسرين : المكلب بفتح الكاف وشد اللام صاحب الكلاب.
قال القاضي أبو محمد : وليس هذا بمحرر.
قوله عز وجل :
فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ....


الصفحة التالية
Icon