المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ١٦٧
من محارب فاخترط السيف فانتبه النبي صلى اللّه عليه وسلم والسيف صلت في يده، فقال للنبي صلى اللّه عليه وسلم أتخافني؟ فقال لا، فقال له ومن يمنعك مني، فقال : اللّه، فشام السيف في غمده وجلس، وفي البخاري أن النبي صلى اللّه عليه وسلم دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي صلى اللّه عليه وسلم ولم يعاقبه، وذكر الواقدي وابن أبي حاتم عن أبيه أنه أسلم، وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق الشجرة حتى مات، فنزلت الآية بسبب ذلك، وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث بن الحارث بالغين منقوطة، وحكى بعض الناس أن اسمه دعثور بن الحارث وحكى الطبري أن الآية نزلت بسبب قوم من اليهود أرادوا قتل النبي صلى اللّه عليه وسلم في طعام، فأشعره اللّه بذلك، ثم أدخل الطبري تحت هذه الترجمة عن ابن عباس خلاف ما ترجم به من أن قوما من اليهود صنعوا للنبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه طعاما ليقتلوه إذا أتى الطعام.
قال القاضي أبو محمد : فيشبه أن ابن عباس إنما وصف قصة بني النضير المتقدمة، وقال قتادة : سبب الآية ما همت به محارب وبنو ثعلبة يوم ذات الرقاع من الحمل على المسلمين في صلاة العصر، فأشعره اللّه تعالى بذلك ونزلت صلاة الخوف، فذلك كف أيديهم عن المسلمين، وحكى ابن فورك عن الحسن بن أبي الحسن أن الآية نزلت بسبب أن قريشا بعثت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلا ليغتاله ويقتله.
فأطلعه اللّه تعالى على ذلك وكفاه شره.
قال القاضي أبو محمد : والمحفوظ في هذا هو نهوض عمير بن وهب لهذا المعنى بعد اتفاقه على ذلك مع صفوان بن أمية والحديث بكماله في سيرة ابن هشام، وذكر قوم من المفسرين وأشار إليه الزجاج أن الآية نزلت في قوله تعالى : الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [المائدة : ٣] فكأنه تعالى عدد على المؤمنين نعمه في أن أظهرهم وكف بذلك أيدي الكفار عنهم التي كانوا هموا ببسطها إلى المؤمنين.
قال القاضي أبو محمد : ويحسن على هذا القول أن تكون الآية نزلت عقب غزوة الخندق وحين هزم اللّه الأحزاب وكفى اللّه المؤمنين القتال، وباقي الآية أمر بالتقوى والتوكل.
قوله عز وجل :
[سورة المائدة (٥) : آية ١٢]
وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١٢)
هذه الآيات المتضمنة الخبر عن نقضهم مواثيق اللّه تعالى تقوي أن الآية المتقدمة في كف الأيدي إنما كانت في أمر بني النضير، واختلف المفسرون في كيفية بعثة هؤلاء النقباء بعد الإجماع على أن النقيب كبير القوم القائم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها، والنقاب الرجل العظيم الذي هو في الناس


الصفحة التالية
Icon