المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٢١
أنزل الكتاب على موسى، ثم اعترض على بني إسرائيل فقال لهم خلال الكلام تجعلونه أنتم يا بني إسرائيل قراطيس، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو «يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرا» بالياء في الأفعال الثلاثة، فمن رأى الاحتجاج على قريش رآه إخبارا من اللّه عز وجل بما فعلته اليهود في الكتاب، ويحتمل أن يكون الإخبار بذلك لقريش أو للنبي صلى اللّه عليه وسلم وحده، وما أخبر به النبي صلى اللّه عليه وسلم في القرآن فأمته متلقية ذلك، وقَراطِيسَ جمع قرطاس أي بطائق وأوراقا والمعنى يجعلونه ذا قراطيس من حيث يكتب فيها، وتوبيخهم بالإبداء والإخفاء هو على إخفائهم آيات محمد عليه السلام والإخبار بنبوته وجميع ما عليهم فيه حجة وقوله : وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ قال مجاهد وغيره هي مخاطبة للعرب، فالمعنى على هذا قصد ذكر منة اللّه عليهم بذلك أي علمتم يا معشر العرب من الهدايات والتحيد والإرشاد إلى الحق ما لم تكونوا عالمين به ولا آباؤكم.
قال القاضي أبو محمد : وقوله : وَعُلِّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا يصلح على هذا المعنى لمخاطبة من انتفع بالتعليم ومن لم ينتفع به، ويصح الامتنان بتعليم الصنفين، وليس من شرط من علم أن يعلم ولا بد، اما أن التعليم الكامل هو الذي يقع معه التعلم، وقالت فرقة بل هي مخاطبة لبني إسرائيل، والمعنى على هذا يترتب على وجهين، أحدهما أن يقصد به الامتنان عليهم وعلى آبائهم بأن علموا من دين اللّه وهداياته ما لم يكونوا عالمين به، لأن آباء المخاطبين من بني إسرائيل كانوا علموا أيضا وعلم بعضهم، وليس ذلك في آباء العرب، والوجه الآخر أن يكون المقصود منهم أي وعلمتم أنتم وآباؤكم ما لم تعلموه بعد التعليم ولا انتفعتم به لإعراضكم وضلالكم ثم أمره تعالى بالمبادرة إلى موضع الحجة أي قل : اللّه هو الذي أنزل الكتاب على موسى ويحتمل أن يكون المعنى فإن جهلوا أو تحيروا أو سألوا أو نحو هذا فقل اللّه ثم أمره بترك من كفر وأعرض، وهذه آية منسوخة بآية القتال إن تأولت موادعة، وقد يحتمل أن لا يدخلها نسخ إذا جعلت تتضمن تهديدا ووعيدا مجردا من موادعة، و«الخوض» الذهاب فيما لا تسبر حقائقه، وأصله في الماء ثم يستعمل في المعاني المشكلة الملتبسة، ويَلْعَبُونَ في موضع الحال.
قوله عز وجل :
[سورة الأنعام (٦) : آية ٩٢]
وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢)
قوله هذا إشارة إلى القرآن، ومُبارَكٌ صفة له، ومُصَدِّقُ كذلك، وحذف التنوين من مُصَدِّقُ للإضافة وهي إضافة غير محضة لم يتعرف بها مصدق ولذلك ساغ أن يكون وصفا لنكرة، والَّذِي في موضع المفعول، والعامل فيه مصدر، ولا يصلح أن يكون مُصَدِّقُ مع حذف التنوين منه يتسلط على الَّذِي، ويقدر حذف التنوين للالتقاء وإنما جاء ذلك شاذا في الشعر في قوله :[المتقارب ]
فألفيته غير مستعتب ولا ذاكر اللّه إلّا قليلا