المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٨٧
تقرير يتضمن التوبيخ، وقوله تِلْكُمَا يؤيد بحسب ظاهر اللفظ أنه إنما أشار إلى شخص شجرة، وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ إشارة إلى الآية التي في سورة طه في قوله فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى [طه : ١١٧].
قال القاضي أبو محمد : وهذا هو العهد الذي نسيه آدم على مذهب من يجعل النسيان على بابه، وقرأ أبيّ بن كعب «ألم تنهيا عن تلكما الشجرة وقيل لكما»، وقولهما رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا اعتراف من آدم وحواء عليهما السلام وطلب للتوبة والستر والتغمد بالرحمة، فطلب آدم هذا وطلب إبليس النظرة ولم يطلب التوبة فوكل إلى رأيه، قال الضحاك هذه الآية هي الكلمات التي تلقى آدم من ربه.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٢٤ الى ٢٦]
قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥) يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦)
المخاطبة بقوله : اهْبِطُوا قال أبو صالح والسدي والطبري وغيرهم : هي لآدم وحواء وإبليس والحية، وقالت فرقة : هي مخاطبة لآدم وذريته وإبليس وذريته.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لعدمهم في ذلك الوقت، فإن قيل خاطبهم وأمرهم بشرط الوجود فذلك يبعد في هذه النازلة لأن الأمر بشرط الوجود إنما يصح إذا ترتب على المأمور بعد وجوده وصح معناه عليه كالصلاة والصوم ونحو ذلك، وأما هنا فإن معنى الهبوط لا يتصور في بني آدم بعد وجودهم ولا يتعلق بهم من الأمر به شيء، وأما قوله في آية أخرى اهْبِطا [طه : ١٢٣] فهي مخاطبة لآدم وإبليس بدليل بيانه العداوة بينهما، وعدو فرد بمعنى الجمع، تقول قوم عدو وقوم صديق. ومنه قول الشاعر :
لعمري لئن كنتم على النأي والغنى بكم مثل ما بي إنكم لصديق
وعداوة الحياة معروفة، وروى قتادة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم «ما سالمناهن منذ حاربناهن»، وقال عبد اللّه بن عمر :«من تركهن فليس منا»، وقالت عائشة «من ترك حية خشية من ثأرها فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين».
قال القاضي أبو محمد : وإنما يعرض في أمرهن حديث الفتى في غزوة الخندق، وقول النبي عليه السلام : إن جنا بالمدينة قد أسلموا فمن رأى من هذه الحيات شيئا في بيته فليحرج عليه ثلاثا فإن رآه بعد ذلك فليقتله فإنما هو كافر.
وقوله تعالى، مُسْتَقَرٌّ لفظ عام لزمن الحياة ولزمن الإقامة في القبور، وبزمن الحياة فسر أبو العالية وقال : هي كقوله الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً [البقرة : ٢٢] وبالإقامة في القبور فسر ابن عباس واللفظ يعمهما فهي كقوله : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً [المرسلات : ٢٥] وأما «المتاع» فهو بحسب