المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٨٨
شخص شخص، في زمن الحياة اللهم إلا أن يقدر سكنى القبر متاعا بوجه ما، و«المتاع» التمتع والنيل من الفوائد، وإِلى حِينٍ هو بحسب الجملة قيام الساعة، وبحسب مفرد بلوغ الأجل والموت، والحين في كلام العرب الوقت غير معين.
وروي أن آدم عليه السلام أهبط بالهند وحواء بجدة، وتمناها بمنى، وعرف حقيقة أمرها بعرفة، ولقيها بجمع وأهبط إبليس بميسان وقيل بالبصرة وقيل بمصر فباض فيها وفرخ، قال ابن عمر وبسط إبليس فيها عبقريه، وذكر صالح مولى التؤمة قال في بعض الكتب لما أهبط إبليس قال رب أين مسكني؟ قال مسكنك الحمام ومجلسك الأسواق ولهوك المزامير وطعامك ما لم يذكر عليه اسمي وشرابك المسكر، ورسلك الشهوات وحبائلك النساء. وأهبطت الحية بأصبهان.
وروي أنها كانت ذات قوائم كالبعير فعوقبت بأن ردت تنساب على بطنها، وروي أن آدم لما أهبط إلى شقاء الدنيا علم صنعة الحديد ثم علم الحرث فحرث وسقى وحصد وذرا وطحن وعجن وخبز وطبخ وأكل فلم يبلغ إلى ذلك حتى بلغ من الجهد ما شاء اللّه، وروي أن حواء قيل لها يا حواء كما دميت الشجرة فأنت تدمين في كل شهر وأنت لا تحمل إلا كرها ولا تضع إلا كرها، قال فرنت عند ذلك فقيل لها الرنة عليك وعلى ولدك.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذه القصة من الأنباء كثير اختصرتها إذ لا يقتضيها اللفظ.
وقوله تعالى : فِيها تَحْيَوْنَ الآية، حكم من اللّه عز وجل أمضاه وجعله حتما في رقاب العباد يحيون في الأرض ويموتون فيها ويبعثون منها إلى الحشر أحياء كما أنشأ أول خلق يعيده، وقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو «تخرجون» بضم التاء وفتح الراء هنا، وفي الروم وكَذلِكَ تُخْرَجُونَ وَمِنْ آياتِهِ [الآية : ١٩] وكذلك حيث تكرر إلا في الروم إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ [الآية : ٢٥] وفي سأل سائل يَوْمَ يَخْرُجُونَ [الآية : ٤٣] فإن هذين بفتح التاء والياء وضم الراء، ولم يختلف الناس فيهما، وقرأ حمزة والكسائي في الأعراف وَمِنْها تُخْرَجُونَ [الآية : ٢٥] بفتح التاء وضم الراء وفتح ابن عامر التاء في الأعراف وضمها في الباقي.
وقوله تعالى : يا بَنِي آدَمَ الآية، هذا خطاب لجميع الأمم وقت النبي عليه السلام والسبب والمراد قريش ومن كان من العرب يتعرى في طوافه بالبيت، ذكر النقاش ثقيفا وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج وعامرا والحارث ابني عبد مناف فإنها كانت عادتهم رجالا ونساء، وذلك غاية العار والعصيان، قال مجاهد ففيهم نزلت هذه الأربع الآيات، وقوله : أَنْزَلْنا يحتمل أن يريد التدريج أي لما أنزلنا المطر فكان عنه جميع ما يلبس، قال عن اللباس أنزلنا، وهذا نحو قول الشاعر يصف مطرا.
أقبل في المستن من سحابه اسنمة الآبال في ربابه
أي بالمال ويحتمل أن يريد خلقنا فجاءت العبارة ب أَنْزَلْنا كقوله وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ [الحديد : ٢٥] وقوله : وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ [الزمر : ٦] وأيضا فخلق اللّه عز وجل وأفعاله إنما هي من علو في القدر والمنزلة، ولِباساً عام في جميع ما يلبس، ويُوارِي يستر، وفي حرف


الصفحة التالية
Icon