المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٩٦
وقوله : ساعَةً لفظ عين به الجزء القليل من الزمن، والمراد جميع أجزائه أي لا يستأخرون ساعة ولا أقل منها ولا أكثر، وهذا نحو قوله تعالى : إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ [النساء : ٤٠] فإنما هي عبارة يقام الجزء فيها مقام الكل.
قال القاضي أبو محمد : وكأنه يظهر بين هذه الآية وبين قوله تعالى : وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى [إبراهيم : ١٠، نوح : ٤] تعارض لأن تلك تقتضي الوعد بتأخير إن آمنوا والوعيد بمعاجلة إن كفروا.
قال القاضي أبو محمد : والحق مذهب أهل السنة أن كل أحد إنما هو بأجل واحد لا يتأخر عنه ولا يتقدم. وقوم نوح كان منهم من سبق في علم اللّه تعالى أنه يكفر فيعاجل، وذلك هو أجله المحتوم، ومنه من يؤمن فيتأخر إلى أجله المحتوم وغيب عن نوح تعيين الطائفتين فندب الكل إلى طريق النجاة وهو يعلم أن الطائفة إنما تعاجل أو تؤخر بأجلها، فكأنه يقول : فإن آمنتم علمنا أنكم ممن قضى اللّه له بالإيمان والأجل المؤخر، وإن كفرتم علمنا أنكم ممن قضي له بالأجل المعجل والكفر.
قال القاضي أبو محمد : وعلى هذا الحد هو دعاء محمد عليه السلام العالم إلى طريق الجنة، وقد علم أن منهم من يكفر فيدخل النار، وكذلك هو أمر الأسير يقال له إما أن تؤمن فتترك وإلا قتلت.
وقوله تعالى : يا بَنِي آدَمَ الآية، الخطاب في هذه الآية لجميع العالم. و«إن» الشرطية دخلت عليها «ما» مؤكدة. ولذلك جاز دخول النون الثقيلة على الفعل، وإذا لم تكن «ما» لم يجز دخول النون الثقيلة. وقرأ أبي بن كعب والأعرج «تأتينكم» على لفظ الرسل. «و جاء يقصون» على المعنى. وكأنه هذا الخطاب لجميع الأمم قديمها وحديثها هو متمكن لهم ومتحصل منه لحاضري محمد عليه السلام أن هذا حكم اللّه في العالم منذ أنشأه. ويَأْتِيَنَّكُمْ مستقبل وضع موضع ماض ليفهم أن الإتيان باق وقت الخطاب لتقوى الإشارة بصحة النبوة إلى محمد صلى اللّه عليه وسلم، وهذا على مراعاة وقت نزول الآية، وأسند الطبري إلى أبي سيار السلمي قال إن اللّه تعالى جعل آدم وذريته في كفه فقال يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ الآية، قال ثم نظر إلى الرسل فقال يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَاعْمَلُوا صالِحاً إِنِّي بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ [المؤمنون : ٥٢] ثم بثهم.
قال القاضي أبو محمد : ولا محالة أن هذه المخاطبة في الأزل وقيل المراد بالرسل محمد عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد : من حيث لا نبي بعده، فكأن المخاطبين هم المراد ببني آدم لا غير، إذ غيرهم لم ينله الخطاب، ذكره النقاش. ويَقُصُّونَ معناه يسردون ويوردون. و«الآيات» لفظ جامع لآيات الكتب المنزلة وللعلامات التي تقترن بالأنبياء، وقوله : فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ يصح أن تكون «من» شرطية وجوابه فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وهذه الجملة هي في جواب الشرط الأول الذي هو إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ. ويصح أن تكون «من» في قوله فَمَنِ اتَّقى موصولة، وكأنه قصد بالكلام تقسيم الناس فجعل القسم الأول فَمَنِ اتَّقى. والقسم الثاني وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا. وجاء هذا التقسيم بجملته جوابا للشرط في قوله إِمَّا