المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٩٧
يَأْتِيَنَّكُمْ
. فكأنه قال إن أتتكم رسل فالمتقون لا خوف عليهم، والمكذبون أصحاب النار، أي هذا هو الثمرة وفائدة الرسالة : فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً [الأنعام : ١٤٤، الأعراف : ٣٧، يونس : ١٧، الكهف : ١٥] أي ليس ثم نفع للمفتري ولا غرض دنياوي. فالآية تبرية للنبي صلى اللّه عليه وسلم، من الافتراء، وتوبيخ للمفترين من الكفار. ولا في قوله فَلا خَوْفٌ بمعنى ليس، وقرأ ابن محيصن «لا خوف» دون تنوين، ووجهه إما أن يحذف التنوين لكثرة الاستعمال وإما حملا على حذفه مع «لا». وهي تبرية ناصبة تشبه حالة الرفع في البناء بحالة النصب، وقيل : إن المراد فلا الخوف، ثم حذفت الألف واللام وبقيت الفاء على حالها لتدل على المحذوف، ونفي الخوف والحزن يعم جميع أنواع مكاره النفس وأنكادها، ويشبه أن يكون الخوف لما يستقبل من الأمور والحزن لما مضى منها.
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا هذه حالتان تعم جميع من يصد عن رسالة الرسول إما أن يكذب بحسب اعتقاده وإما أن يستكبر فكذب وإن كان غير مصمم في اعتقاده على التكذيب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا نحو الكفر عنادا.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : آية ٣٧]
فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ أُولئِكَ يَنالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قالُوا أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ (٣٧)
هذه آية وعيد واستفهام على جهة التقرير، أي لا أحد أظلم منه، وافْتَرى معناه اختلق، وهذه وإن كانت متصلة بما قبلها أي كيف يجعلون الرسل مفترين ولا أحد أظلم ممن افترى ولا حظ للرسل إلا أن يرحم من اهتدى ويعذب من كفر، فهي أيضا مشيرة بالمعنى إلى كل مفترق إلى من تقدم ذكره من الذين قالوا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها وقوله : أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إشارة إلى جميع الكفرة، وقوله : مِنَ الْكِتابِ قال الحسن والسدي وأبو صالح معناه من المقرر في اللوح المحفوظ، فالكتاب عبارة عن اللوح المحفوظ، وقد تقرر في الشرع أن حظهم فيه العذاب والسخط، وقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد : قوله : مِنَ الْكِتابِ يريد من الشقاء والسعادة التي كتبت له وعليه.
قال القاضي أبو محمد : ويؤيد هذا القول الحديث المشهور الذي يتضمن أن الملك يأتي إذا خلق الجنين في الرحم فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد وقتادة والضحاك، الْكِتابِ يراد به الذي تكتبه الملائكة من أعمال الخليقة من خير وشر فينال هؤلاء نصيبهم من ذلك وهو الكفر والمعاصي، وقال ابن عباس أيضا ومجاهد والضحاك مِنَ الْكِتابِ يراد به من القرآن، وحظهم فيه أن وجوههم تسود يوم القيامة، وقال الربيع بن أنس ومحمد بن كعب وابن زيد المعنى بالنصيب ما سبق لهم في أم الكتاب من رزق وعمر وخير وشر في الدنيا، ورجح الطبري هذا واحتج له بقوله بعد ذلك حَتَّى إِذا جاءَتْهُمْ رُسُلُنا أي عند انقضاء ذلك فكان معنى الآية على هذا التأويل أولئك يتمتعون ويتصرفون من الدنيا


الصفحة التالية
Icon