المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٩٨
بقدر ما كتب لهم حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم، وهذا تأويل جماعة في مجيء الرسل للتوفي، وعلى هذا يترتب ترجيح الطبري الذي تقدم، وقالت فرقة رُسُلُنا يريد بهم ملائكة العذاب يوم القيامة، ويَتَوَفَّوْنَهُمْ معناه يستوفونهم عددا في السوق إلى جهنم.
قال القاضي أبو محمد : ويترتب هذا التأويل مع التأويلات المتقدمة في قوله : نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتابِ لأن «النصيب» على تلك التأويلات إنما ينالهم في الآخرة، وقد قضى مجيء رسل الموت، وقوله حكاية عن الرسل أَيْنَ ما كُنْتُمْ تَدْعُونَ استفهام تقرير وتوبيخ وتوقيف على خزي وهو إشارة إلى الأصنام والأوثان وكل ما عبد من دون اللّه. وتَدْعُونَ معناه تعبدون وتؤملون، وقولهم ضَلُّوا معناه هلكوا وتلفوا وفقدوا. ثم ابتدأ الخبر عن المشركين بقوله : وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ وهذه الآية وما شاكلها تعارض في الظاهر قوله تعالى حكاية عنهم وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام : ٢٣] واجتماعهما إما أن يكون في طوائف مختلفة أو في أوقات مختلفة يقولون في حال كذا وحال كذا.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٣٨ الى ٣٩]
قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ (٣٨) وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٣٩)
هذه حكاية ما يقول اللّه لهم يوم القيامة بوساطة ملائكة العذاب وعبر عن يقول. ب قالَ لتحقق وقوع ذلك وصدق القصة، وهذا كثير، وقوله : فِي أُمَمٍ متعلق ب ادْخُلُوا، ويحتمل أن يتعلق بمحذوف تقديره كائنين أو ثابتين في أمم، فيكون في موضع الحال من الضمير في ادْخُلُوا وقيل فِي بمعنى مع. وقيل هي على بابها وهو أصوب، وقوله قَدْ خَلَتْ صفة ل أُمَمٍ. وقوله : فِي النَّارِ يصح تعلقه ب ادْخُلُوا ويصح أن يتعلق ب أُمَمٍ أي في أمم ثابتة أو مستقرة، ويصح تعلقه بالذكر الذي في خَلَتْ. ومعنى قَدْ خَلَتْ على هذا التعلق أي قد تقدمت ومضى عليها الزمن وعرفها فيما تطاول من الآباد، وقد تستعمل وإن لم يطل الوقت إذ أصلها فيمن مات من الناس أي صاروا إلى خلاء من الأرض، وعلى التعليقين الأولين لقوله فِي النَّارِ فإنما خَلَتْ حكاية عن حال الدنيا أي ادخلوا في النار في جملة الأمم السالفة لكم في الدنيا الكافرة، وقدم ذكر الجن لأنهم أعرق في الكفر، وإبليس أصل الضلال والإغواء، وهذه الآية نص في أن كفرة الجن في النار، والذي يقتضيه النظر أن مؤمنيهم في الجنة لأنهم عقلاء مكلفون مبعوث إليهم آمنوا وصدقوا، وقد بوب البخاري رحمه اللّه - باب في ذكر الجن وثوابهم وعقابهم - وذكر عبد الجليل أن مؤمني الجن يكونون ترابا كالبهائم، وذكر في ذلك حديثا مجهولا وما أراه يصح، واللّه أعلم.
والأخوة في هذه الآية أخوة الملة والشريعة. قال السدي : يتلاعن آخرها وأولها، وادَّارَكُوا معناه