المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٣٩٩
تلاحقوا ووزنه تفاعلوا أصله تداركوا أدغم فجلبت ألف الوصل، وقرأ أبو عمرو «اداركوا» بقطع ألف الوصل، قال أبو الفتح : هذا مشكل ولا يسوغ أن يقطعها ارتجالا فذلك إنما يجيء شاذا في ضرورة الشعر في الاسم أيضا لكنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع، وقرأ مجاهد بقطع الألف وسكون الدال «أدركوا» بفتح الراء وبحذف الألف بعد الدال بمعنى أدرك بعضهم بعضا، وقرأ حميد «أدركوا» بضم الهمزة وكسر الراء أي أدخلوا في إدراكها. وقال مكي في قراءة مجاهد إنها «ادّاركوا» بشد الدال المفتوحة وفتح الراء، قال : وأصله إذ تركوا وزنها افتعلوا، وقرأ ابن مسعود والأعمش «تداركوا» ورويت عن أبي عمرو، وقرأ الجمهور «حتى إذ اداركوا» بحذف ألف «إذا» لالتقاء الساكنين.
وقوله تعالى : قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ معناه قالت الأمة الأخيرة التي وجدت ضلالات مقررة وسننا كاذبة مستعملة للأولى التي شرعت ذلك وافترت على اللّه وسلكت سبيل الضلال ابتداء، ربنا هؤلاء طرقوا طرق الضلال وسببوا ضلالنا فآتهم عذابا مضاعفا أي ثانيا زائدا على عذابنا إذ هم كافرون ومسببون كفرنا، وتقول ضاعفت كذا إذا جعلته مثل الأول، واللام في قوله لِأُولاهُمْ كأنها لام سبب إذ القول إنما هو للرب، ثم قال عز وجل مخبرا لهم لِكُلٍّ ضِعْفٌ أي العذاب مشدد على الأول والآخر ولكن لا تعلمون أي المقادير وصور التضعيف، وهذا رد لكلام هؤلاء، إذ ليس لهم كرامة فيظهر إسعافهم.
وأما المعنى الذي دعوا فيه فظاهر حديث النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه حاصل وأن كل من سن كفرا أو معصية فعليه كفل من جهة كل من عمل بذلك بعده، ومنه حديث أنس بن مالك أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال : ما من داع دعا إلى ضلالة إلا كان عليه وزره ووزر من اتبعه لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا، الحديث، ذكره الليث بن سعد من آخر الجزء الرابع من حديثه، وذكره مالك في الموطأ غير مسند موصل، ومنه قوله «ما تقتل نسمة ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها»، أما أن هؤلاء عينوا في دعائهم الضعف وقد يكون الكفل أقل أو أكثر، وعن ابن مسعود أن «الضعف» هاهنا الأفاعي والحيات، وقرأ جميع السبعة غير عاصم في رواية أبي بكر «و لكن لا تعلمون» بالتاء ويحتمل ذلك أن يكون مخاطبة لهذه الأمة الأخيرة متصلة بقوله لهم لِكُلٍّ ضِعْفٌ ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد.
وأمته، وقرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر «و لكن لا يعلمون»، وروى حفص عن عاصم مثل قراءة الجماعة، وهذه مخاطبة لأمة محمد وإخبار عن الأمة الأخيرة التي طلبت أن يشدد العذاب على أولاها، ويحتمل أن يكون خبرا عن الطائفتين حملا على لفظة «كل»، أي لا يعلم أحد منهم قدر ما أعد لهم من عذاب اللّه.
وقوله عز وجل : وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ الآية، المعنى وقالت الأمة الأولى المبتدعة للأمة الأخيرة المتبعة أنتم لا فضل لكم علينا ولم تزدجروا حين جاءتكم النذر والرسل، بل دمتم في كفركم وتركتم النظر واستوت حالنا وحالكم فذوقوا العذاب باجترامكم، هذا قول السدي وأبي مجلز وغيرهما، فقوله فذوقوا على هذا من كلام الأمة المتقدمة للأمة المتأخرة، وقيل قوله فَذُوقُوا هو من كلام اللّه عز وجل لجميعهم، وقال مجاهد ومعنى قوله مِنْ فَضْلٍ أي «من» التخفيف.


الصفحة التالية
Icon