المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٠٧
النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«أفضل الصدقة بالماء»، يعني عند الحاجة إليه إذ هو ألذ مشروب وأنعشها للنفس، واستسقى الشعبي عند مصعب فقال له أي الأشربة تحب؟ فقال أهونها موجودا وأعزها مفقودا، فقال له مصعب : يا غلام هات الماء.
وقوله تعالى : الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً الآية، أضيف «الدين» إليهم من حيث قولهم أن يلتزموه إذ هو دين اللّه من حيث أمر به، ودين جميع الناس من حيث أمروا به، وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا يحتمل أن يكون من كلام أهل الجنة، ويكون ابتداء كلام اللّه من قوله : فَالْيَوْمَ، ويحتمل أن يكون الكلام من أوله من كلام اللّه عز وجل، ومعنى قوله : اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً أي بالإعراض والاستهزاء لمن يدعوهم إلى الإسلام، وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا أي خدعتهم بزخرفها واعتقادهم أنها الغاية القصوى، ويحتمل أن يكون اللفظ من الغر وهو ملء الفم أي أشبعتهم وأبطرتهم، وأما قوله فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ فهو من إخبار اللّه عز وجل عما يفعل بهم، والنسيان في هذه الآية هو بمعنى الترك، أي نتركهم في العذاب كما تركوا النظر للقاء هذا اليوم، قاله ابن عباس وجماعة من المفسرين، قال قتادة نسوا من الخير ولم ينسوا من الشر، وإن قدر النسيان بمعنى الذهول من الكفرة فهو في جهة ذكر اللّه تسمية العقوبة باسم الذنب، وقوله :
وَما كانُوا عطف على «ما» من قوله : كَما نَسُوا ويحتمل أن تقدر ما الثانية زائدة ويكون قوله :
«و كانوا» عطفا على قوله نَسُوا.
وقوله تعالى : وَلَقَدْ جِئْناهُمْ بِكِتابٍ الآية، ذكر الاعذار إليهم إثر ذكر ما يفعل بهم واللام في قوله :
لَقَدْ لام قسم والضمير في جِئْناهُمْ لمن تقدم ذكره، وقال يحيى بن سلام تم الكلام في يَجْحَدُونَ وهذا الضمير لمكذبي محمد صلى اللّه عليه وسلم ابتداء كلام آخر، والمراد بالكتاب القرآن العزيز.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يكون اسم جنس في جميع الكتب المنزلة على تأويل من يرى الضمير في جِئْناهُمْ لمن تقدم ذكره، وقرأ جمهور الناس «فصلناه» من تفصيل الآيات وتبيينها، وقرأ ابن محيصن «فضلناه» بضاد منقوطة، وعَلى عِلْمٍ معناه : عن بصيرة واستحقاق لذلك، وقوله : هُدىً وَرَحْمَةً مصدران في موضع الحال.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٥٣) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤)
يَنْظُرُونَ معناه ينتظرون، و«التأويل» في هذا الموضع بمعنى المآل والعاقبة، قاله قتادة ومجاهد