المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٠٨
وغيرهما، وقال ابن عباس : تَأْوِيلَهُ مآله يوم القيامة، وقال السدي : ذلك في الدنيا وقعة بدر وغيرها ويوم القيامة أيضا، والمراد هل ينتظر هؤلاء الكفار إلا مآل الحال في هذا الدين وما دعوا إليه وما صدوهم عنه وهم يعتقدون مآله جميلا لهم؟ فأخبر اللّه عز وجل أن مآله يوم يأتي يقع معه ندمهم، ويقولون تأسفا على ما فاتهم من الإيمان لقد صدقت الرسل وجاءوا بالحق، فالتأويل على هذا مأخوذ من آل يؤول، وقال الخطابي : أولت الشيء رددته إلى أوله فاللفظة مأخوذة من الأول، حكاه النقاش.
قال القاضي أبو محمد : وقد قيل أولت معناه طلبت أول الوجوه والمعاني ونَسُوهُ في الآية يحسن أن يكون النسيان من أول الآية بمعنى الترك ويقرون بالحق ويستفهمون عن وجوه الخلاص في وقت لا مستعتب لهم فيه، وقرأت فرقة :«أو نردّ» برفع الفعل على تقدير أو هل نرد وبنصب «فنعمل» في جواب هذا الاستفهام الأخير، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أو نردّ فنعمل» بالرفع فيهما على عطف «فنعمل»، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو حيوة «أو نردّ فنعمل» ونصب نرد في هذه القراءة إما على العطف على قوله : فَيَشْفَعُوا، وإما بما حكاه الفراء من أن «أو تكون» بمعنى حتى كنحو قول امرئ القيس :
أو نموت فنعذرا ويجيء المعنى، أن الشفاعة تكون في أن يردوا ثم أخبر تعالى عن خسارتهم أنفسهم واضمحلال افترائهم على اللّه وكذبهم في جعل الأصنام آلهة.
وقوله تعالى : إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ الآية، خطاب عام يقتضي التوحيد والحجة عليه بدلائله، والرب أصله في اللغة المصلح من رب يرب وهو يجمع في جهة ذكر الله تعالى المالك والسيد وغير ذلك من استعمالات العرب، ولا يقال الرب معرفا إلا للّه، وإنما يقال في البشر بإضافة، وروى بكار بن الشقير «إن ربكم اللّه» بنصب الهاء، وقوله فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ حكى الطبري عن مجاهد أن اليوم كألف سنة، وهذا كله والساعة اليسيرة سواء في قدرة اللّه تعالى، وأما وجه الحكمة في ذلك فمما انفرد اللّه عز وجل بعلمه كسائر أحوال الشرائع، وما ذهب إليه من أراد أن يوجه هذا كالمهدوي وغيره تخرص، وجاء في التفسير وفي الأحاديث أن اللّه ابتدأ الخلق يوم الأحد وكملت المخلوقات يوم الجمعة، ثم بقي دون خلق يوم السبت، ومن ذلك اختارته اليهود لراحتها، وعلى هذا توالت تفاسير الطبري وغيره، ولليهود لعنهم اللّه تعالى في هذا كلام سوء تعالى اللّه عما يصفون.
ووقع حديث في كتاب مسلم بن الحجاج في كتاب الدلائل لثابت السرقسطي، أن اللّه تعالى خلق التربة يوم السبت وذكره مكي في الهداية، وقوله تعالى : اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ معناه عند أبي المعالي وغيره من حذاق المتكلمين بالملك والسلطان، وخص العرش بالذكر تشريفا له إذ هو أعظم المخلوقات، وقال سفيان الثوري : فعل فعلا في العرش سماه استواء.
قال القاضي أبو محمد : والْعَرْشِ مخلوق معين جسم ما، هذا الذي قررته الشريعة، وبلغني عن أبي الفضيل بن النحوي أنه قال : العرش مصدر عرش يعرش عرشا، والمراد بقوله اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ هذا.
قال القاضي أبو محمد : وهذا خروج كثير عن ما فهم من العرش في غير ما حديث عن النبي صلى