المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤١٨
قال القاضي أبو محمد : واللفظ يقتضي أن الزيادة هي على جميع العالم، وهو الذي يقتضي ما يذكر عنهم، وروي أن طول الرجل منهم كان مائة ذراع وطول أقصرهم ستون ونحو هذا. و«الآلاء» : جمع «إلا» على مثال معى، وأنشد الزجّاج :[للأعشى ]
أبيض لا يرهب الهزال ولا يقطع رحما ولا يخون إلا
وقيل واحد الآلاء «ألا» على مثال قفى، وقيل واحدها «إلى» على مثال حسى وهي النعمة والمنة، وتُفْلِحُونَ : معناه تدركون البغية والآمال، قال الطبري وعاد هؤلاء فيما حدث ابن إسحاق من ولد عاد بن إرم ابن عوص بن سام بن نوح، وكانت مساكنهم الشحر من أرض اليمن وما والى حضرموت إلى عمان، وقال السدي وكانوا بالأحقاف وهي الرمال، وكانت بلادهم أخصب بلاد فردها اللّه صحارى، وقال علي بن أبي طالب : إن قبر هود عليه السلام هنالك في كثيب أحمر يخالطه مدرة ذات أراك وسدر، وكانوا قد فشوا في جميع الأرض وملكوا كثيرا بقوتهم وعددهم وظلموا الناس و، كانوا ثلاث عشرة قبيلة وكانوا أصحاب أوثان منها ما يسمى صداء ومنها صمودا ومنها الهنا فبعث اللّه إليهم هودا من أفضلهم وأوسطهم نسبا فدعاهم إلى توحيد اللّه وإلى ترك الظلم.
قال ابن إسحاق : لم يأمرهم فيما يذكر بغير ذلك فكذبوه وعتوا واستمر ذلك منهم إلى أن أراد اللّه إنفاذ أمره أمسك عنهم المطر ثلاث سنين، فشقوا بذلك وكان الناس في ذلك الزمان إذا أهمهم أمر فزعوا إلى المسجد الحرام بمكة فدعوا اللّه فيه تعظيما له مؤمنهم وكافرهم، وأهل مكة يومئذ العماليق وسيدهم رجل يسمى معاوية بن بكر، فاجتمعت عاد على أن تجهز منهم وفدا إلى مكة يستسقون اللّه لهم، فبعثوا قيل بن عنز ولقيم بن هزال وعثيل بن ضد بن عاد الأكبر، ومرثد بن سعد بن عفير، وكان هذا مؤمنا يكتم إيمانه وجلهمة بن الخبيري في سبعين رجلا من قومهم، فلما قدموا مكة نزلوا على معاوية بن بكر وهو بظاهر مكة خارجا من الحرم فأنزلهم وأقاموا عنده شهرا يشربون الخمر وتغنيهم الجرادتان قينتا معاوية، ولما رأى معاوية إقامتهم وقد بعثتهم عاد للغوث أشفق على عاد وكان ابن أختهم كلهدة بن الخبير أخت جلهمة، وقال هلك أخوالي وشق عليه أن يأمر أضيافه بالانصراف عند فشكا ذلك إلى قينة فقالت له اصنع شعرا نغني به عسى أن ننبههم فقال :[الوافر]
ألا يا قيل ويحك قم فهينم لعل اللّه يصحبنا غماما
فيسقي أرض عاد إن عادا قد امسوا لا يبينون الكلاما
من العطش الشديد فليس نرجو به الشيخ الكبير ولا الغلاما
وقد كانت نساؤهم بخير فقد أمست نساؤهم عياما
وإن الوحش تأتيهم جهارا ولا تخشى لعاديّ سهاما
وأنتم هاهنا فيما اشتهيتم نهاركم وليلكم التماما
فقبّح وفدكم من وفد قوم ولا لقّوا التحيّة والسّلاما
فغنت به الجرادتان فلما سمعه القوم قال بعضهم يا قوم إنما بعثكم قومكم لما حل بهم فادخلوا هذا