المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٤٢٩
بمشيئة من اللّه تعالى فلا يترتب هذا التأويل إلا عندهم، وهذا تأويل حكاه المفسرون ولم يشعروا بما فيه، وقيل : إن هذا الاستثناء إنما هو تستر وتأدّب.
قال القاضي أبو محمد : ويقلق هذا التأويل من جهة استقبال الاستثناء ولو كان في الكلام إن شاء اللّه قوى هذا التأويل، وقوله : وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً معناه : وسع علم ربنا كل شيء كما تقول : تصبب زيد عرقا أي تصبب عرق زيد، ووَسِعَ بمعنى أحاط، وقوله : افْتَحْ معناه أحكم والفاتح والفتاح القاضي بلغة حمير، وقيل بلغة مراد، وقال بعضهم :[الوافر]
ألا أبلغ بني عصم رسولا فإني عن فتاحتكم غنيّ
وقال الحسن بن أبي الحسن : إن كل نبي أراد اللّه هلاك قومه أمره بالدعاء عليهم ثم استجاب له فأهلكهم، وقال ابن عباس ما كنت أعرف معنى هذه اللفظة حتى سمعت بنت ذي يزن تقول لزوجها : تعال أفاتحك أي أحاكمك، وقوله عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنا استسلام للّه وتمسك بلفظه وذلك يؤيد التأويل الأول في قوله : إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ.
قوله عز وجل :
[سورة الأعراف (٧) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]
وَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٩٠) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ (٩١) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ (٩٢) فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ (٩٣)
هذه المقالة قالها الملأ لتبّاعهم وسائر الناس الذي يقلدونهم، والرَّجْفَةُ الزلزلة الشديدة التي ينال معها الإنسان اهتزاز وارتعاد واضطراب.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن فرقة من قوم شعيب أهلكت ب الرَّجْفَةُ وفرقة بالظلة ويحتمل أن الظلة والرَّجْفَةُ كانتا في حين واحد، وروي أن اللّه تعالى بعث شُعَيْباً إلى أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة، وقيل هما طائفتان وقيل واحدة وكانوا مع كفرهم يبخسون الكيل والوزن فدعاهم فكذبوه فجرت بينهم هذه المقاولة المتقدمة، فلما عتوا وطالت بهم المدة فتح اللّه عليهم بابا من أبواب جهنم فأهلكهم الحر منه فلم ينفعهم ظل ولا ماء، ثم إنه بعث سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها فتنادوا، عليكم الظلة، فلما اجتمعوا تحت الظلة وهي تلك السحابة انطبقت عليهم فأهلكتهم، قال الطبري :
فبلغني أن رجلا من أهل مدين يقال له عمرو بن جلهاء قال لما رآها :[البسيط]
يا قوم إن شعيبا مرسل فذروا عنكم سميرا وعمران بن شداد
إني أرى غيمة يا قوم قد طلعت تدعو بصوت على ضمّانة الواد
وإنه لن تروا فيها ضحاء غد إلا الرقيم يمشّي بين انجاد