المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥٠٢
رحمه اللّه، والعبارة بقوله : امض لأمرك ونفل من شئت غير محررة، وتحرير هذا المعنى عندي أن يقال إن هذه الكاف شبهت هذه القصة التي هي إخراجه من بيته بالقصة المتقدمة التي هي سؤالهم عن الأنفال، كأنهم سألوا عن النفل وتشاجروا فأخرج اللّه ذلك عنهم، فكانت فيه الخيرة كما كرهوا في هذه القصة انبعاث النبي صلى اللّه عليه وسلم فأخرجه اللّه من بيته فكانت في ذلك الخيرة، فتشاجرهم في النفل بمثابة كراهيتهم هاهنا للخروج، وحكم اللّه في النفل بأنه للّه وللرسول دونهم هو بمثابة إخراجه نبيه صلى اللّه عليه وسلم من بيته، ثم كانت الخيرة في القصتين فيما صنع اللّه، وعلى هذا التأويل يمكن أن يكون قوله يُجادِلُونَكَ كلاما مستأنفا يراد به الكفار، أي يجادلونك في شريعة الإسلام من بعد ما تبين الحق فيها، كأنما يساقون إلى الموت في الدعاء إلى الإيمان.
قال القاضي أبو محمد : وهذا الذي ذكرت من أن يُجادِلُونَكَ في الكفار منصوص والقول الثاني قال مجاهد والكسائي وغيرهما : المعنى في هذه الآية كما أخرجك ربك من بيتك على كراهية من فريق منهم كذلك يجادلونك في قتال كفار مكة ويودون غير ذات الشوكة من بعد ما تبين لهم أنك إنما تفعل ما أمرت به لا ما يريدون هم.
قال القاضي أبو محمد : والتقدير على هذا التأويل يجادلونك في الحق مجادلة ككراهتهم إخراج ربك إياك من بيتك، فالمجادلة على هذا التأويل بمثابة الكراهية وكذلك وقع التشبيه في المعنى، وقائل هذه المقالة يقول إن المجادلين هم المؤمنون، وقائل المقالة الأولى يقول إن المجادلين هم المشركون، فهذان قولان مطردان يتم بهما المعنى ويحسن رصف اللفظ وقال الأخفش : الكاف نعت ل حَقًّا [الأنفال : ٤]، والتقدير هم المؤمنون حقا كما أخرجك.
قال القاضي أبو محمد : والمعنى على هذا التأويل كما تراه لا يتناسق وقيل الكاف في موضع رفع والتقدير : كما أخرجك ربك فاتقوا اللّه كأنه ابتداء وخبر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا المعنى وضعه هذا المفسر وليس من ألفاظ الآية في ورد ولا صدر، وقال أبو عبيدة : هو قسم أي لهم درجات ومغفرة ورزق كريم كما أخرجك بتقدير والذي أخرجك، فالكاف في معنى الواو و«ما» بمعنى الذي، وقال الزجّاج : الكاف في موضع نصب والتقدير الأنفال ثابتة لك ثباتا كما أخرجك ربك، وقيل : الكاف في موضع رفع والتقدير لهم درجات عند ربهم ومغفرة ورزق كريم هذا وعد حق كما أخرجك، وقيل المعنى : وأصلحوا ذات بينكم ذلك خير لكم كما أخرجك، والكاف نعت لخبر ابتداء محذوف، وقيل التقدير : قل الأنفال للّه والرسول كما أخرجك، وهذا نحو أول قول ذكرته، وقال عكرمة : التقدير وأطيعوا اللّه ورسوله إن كنتم مؤمنين كما أخرجك ربك أي الطاعة خير لكم كما كان إخراجك خيرا لكم، وقوله : مِنْ بَيْتِكَ يريد من المدينة يثرب، قاله جمهور المفسرين وقال ابن بكير :
المعنى كما أخرجك من مكة وقت الهجرة، وقرأ عبد اللّه بن مسعود :«في الحق بعد ما بين» بضم الباء من غير تاء، والضمير في قوله يُجادِلُونَكَ، قيل : هو للمؤمنين وقيل : للمشركين، فمن قال للمؤمنين جعل الْحَقِّ قتال مشركي قريش، ومن قال للمشركين جعل الْحَقِّ شريعة الإسلام، وقوله إِلَى الْمَوْتِ