المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥٠٩
هذا الخطاب للنبي صلى اللّه عليه وسلم، والمؤمنون داخلون فيه بالمعنى والضمير في أَنَّهُمْ
عائد على الذين كفروا، واقُّوا
معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا، وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين، وهذه مفاعلة فكأن اللّه لما شرع شرعا وأمر بأوامر وكذبوا هم وصدوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق، مأخوذ من هذا لأنه مع شقه الآخر تباعدا وانفصلا وعبر المفسرون عن قوله اقُّوا
أي صاروا في شق غير شقه.
قال القاضي أبو محمد : وهذا وإن كان معناه صحيحا فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه، والمثال الأول إنما هو الشّق بفتح الشين، وأجمعوا على الإظهار في شاقِقِ
اتباعا لخط المصحف، وقوله إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ
جواب الشرط تضمن وعيدا وتهديدا، وقوله تعالى : ذلِكُمْ فَذُوقُوهُ المخاطبة للكفار، أي ذلكم الضرب والقتل وما أوقع اللّه بهم يوم بدر، فكأنه قال الأمر ذلكم فذوقوه وكذا فسره سيبويه، وقال بعضهم : يحتمل أن يكون ذلِكُمْ في موضع نصب كقوله زيدا فاضربه، وقرأ جمهور الناس «و أن» بفتح الألف، فإما على تقدير وحتم أن. فيقدر على ابتداء محذوف يكون «أن» خبره، وإما على تقدير واعلموا أن، فهي على هذا في موضع نصب، وروى سليمان عن الحسن بن أبي الحسن و«إن» على القطع والاستئناف، وقوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً الآية، زَحْفاً يراد به متقابلي الصفوف والأشخاص، أي يزحف بعضهم إلى بعض، وأصل الزحف الاندفاع على الألية ثم سمي كل ماش إلى آخر في الحرب رويدا زاحفا، إذ في مشيته من التماهل والتباطؤ ما في مشي الزاحف، ومن الزحف الذي هو الاندفاع قولهم لنار العرفج وما جرى مجراه في سرعة الاتقاد نار الزحفتين ومن التباطؤ في المشي قول الشاعر :[البسيط]
كأنهنّ بأيدي القوم في كبد طير تكشف عن جون مزاحيف
ومنه قول الفرزدق :[البسيط]
على عمائمنا تلقى وأرجلنا على مزاحيف تزجى مخها رير
ومنه قول الآخر [الأعشى ] :[الطويل ]
لمن الظعائن سيرهنّ تزحّف
ومن التزحف بمعنى التدافع قول الهذلي :[الوافر]
كان مزاحف الحيّات فيه قبيل الصبح آثار السياط