المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥١١
قوله عز وجل :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٧ الى ١٨]
فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١٧) ذلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكافِرِينَ (١٨)
هذه مخاطبة للمؤمنين أعلم اللّه بها أن القتلة من المؤمنين ليس هم مستبدين بالقتل، لأن القتل بالإقدار عليه، والخلق والاختراع في جميع حالات القاتل إنما هي للّه تعالى ليس للقاتل فيها شيء، وإنما يشاركه بتكسبه وقصده، وهذه الألفاظ ترد على من يقول بأن أفعال العباد خلق لهم، وسبب هذه الآية فيما روي عن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لما صدروا عن بدر ذكر كل واحد منهم ما فعل، فقال قتلت كذا وفعلت كذا فجاء من ذلك تفاخر ونحو ذلك فنزلت الآية، وقوله وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى يراد به ما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فعله يومئذ، وذلك أنه أخذ قبضات من حصى وتراب، فرمى بها في وجوه القوم وتلقاهم ثلاث مرات فانهزموا عند آخر رمية، ويروى أنه قال يوم بدر : شاهت الوجوه، وهذه الفعلة أيضا كانت يوم حنين بلا خلاف، وروي أن التراب الذي رمى به لم يبق كافر إلا دخل في عينيه منه شيء، وروي أنه رمى بثلاثة أحجار فكانت الهزيمة مع الحجر الثالث.
قال القاضي أبو محمد : فيحتمل قوله تعالى : وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى ما قلناه في قوله فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وذلك منصوص في الطبري وغيره، وهو خارج في كلام العرب على معنى وما رميت الرمي الكافي إذ رميت، ونحوه قول العباس بن مرداس :[المتقارب ] فلم أعط شيئا ولم أمنع أي لن أعط شيئا مرضيا ويحتمل أن يريد، وما رميت الرعب في قلوبهم إذ رميت حصياتك، ولكن اللّه رماه وهذا أيضا منصوص في المهدوي وغيره، ويحتمل أن يريد وما أغنيت إذ رميت حصياتك ولكن اللّه رمى أي أعانك وأظفرك، والعرب تقول في الدعاء : رمى اللّه لك، أي أعانك وصنع لك.
وحكى هذا أبو عبيدة في كتاب المجاز وقرأت فرقة «و لكنّ اللّه رمى» بتشديد النون، وفرقة «و لكن اللّه» بتخفيفها ورفع الهاء من «اللّه»، وَلِيُبْلِيَ أي ليصيبهم ببلاء حسن، فظاهر وصفه بالحسن يقتضي أنه أراد الغنيمة والظفر والعزة، وقيل أراد الشهادة لمن استشهد يوم بدر وهم أربعة عشر رجلا، منهم عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب ومهجع مولى عمر، ومعاذ وعمرو ابنا عفراء، وغيرهم، إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ لاستغاثتكم، عَلِيمٌ بوجه الحكمة في جميع أفعاله لا إله إلا هو، وحكى الطبري : أن المراد بقوله وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ رمي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الحربة على أبي بن خلف يوم أحد.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف لأن الآية نزلت عقب بدر، وعلى هذا القول تكون أجنبية مما قبلها وما بعدها وذلك بعيد، وحكي أيضا أن المراد السهم الذي رمى به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في حصن خيبر فصار في الهويّ حتى أصاب ابن أبي الحقيق فقتله وهو على فراشه، وهذا فاسد، وخيبر فتحها أبعد من أحد بكثير، والصحيح في قتل ابن أبي الحقيق غير هذا، فهذان القولان ضعيفان لما