المحرر الوجيز، ج ٢، ص : ٥١٢
ذكرناه، وقوله ذلِكُمْ إشارة إلى ما تقدم من قتل اللّه ورميه إياهم، وموضع ذلِكُمْ من الإعراب رفع، قال سيبويه : التقدير الأمر ذلكم، وقال بعض النحويين : يجوز أن يكون في موضع نصب بتقدير فعل ذلكم وَأَنَّ معطوف على ذلِكُمْ، ويحتمل أن يكون خبر ابتداء مقدر تقديره وحتم وسابق وثابت ونحو هذا، وقرأت فرقة «و إن» بكسر الهمزة على القطع والاستئناف. ومُوهِنُ معناه مضعف مبطل، يقال وهن الشيء مثل وعد يعد، ويقال وهن مثل ولي يلي، وقرىء فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ [آل عمران : ١٤٦] بكسر الهاء، وقرأ حمزة والكسائي وابن عامر وأبو بكر عن عاصم «موهن كيد» من أوهن، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو «موهن كيد» من وهن، وقرأ حفص عن عاصم «موهن كيد» بكسر الدال والإضافة، وذكر الزجّاج أن فيها أربعة أوجه فذكر هذه القراءات الثلاث، وزاد «موهّن كيد» بتشديد الهاء والإضافة إلا أنه لم ينص أنها قراءة.
قوله عز وجل :
[سورة الأنفال (٨) : الآيات ١٩ الى ٢١]
إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (٢٠) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قالُوا سَمِعْنا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٢١)
قال بعض المتأولين : هذه الآية مخاطبة للمؤمنين الحاضرين يوم بدر، قال اللّه لهم : إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ وهو الحكم بينكم وبين الكافرين فقد جاءكم، وقد حكم اللّه لكم، وَإِنْ تَنْتَهُوا عما فعلتم من الكلام في أمر الغنائم وما شجر بينكم فيها وعن تفاخركم بأفعالكم من قتل وغيره فهو خير لكم وَإِنْ تَعُودُوا لهذه الأفعال نعد لتوبيخكم، ثم أعلمهم أن الفئة وهي الجماعة لا تغني وإن كثرت إلا بنصر اللّه تعالى ومعونته، ثم أنسهم بقوله وإيجابه، أنه مع المؤمنين، وقال أكثر المتأولين : هذه الآية مخاطبة للكفار أهل مكة، وذلك أنه روي أن أبا جهل كان يدعو أبدا في محافل قريش، ويقول اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف فأهلكه واجعله المغلوب، يريد محمدا صلى اللّه عليه وسلم وإياهم، وروي أن قريشا لما عزموا على الخروج إلى حماية العير تعلقوا بأستار الكعبة واستفتحوا، وروي أن أبا جهل قال صبيحة يوم بدر : اللهم انصر أحب الفئتين إليك وأظهر خير الدينين عندك، اللهم أقطعنا للرحم فاحنه الغداة، ونحو هذا فقال لهم اللّه : إن تطلبوا الفتح فقد جاءكم أي كما ترونه عليكم لا لكم.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا توبيخ، ثم قال لهم وَإِنْ تَنْتَهُوا عن كفركم وغيكم فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ثم أخبرهم أنهم إن عادوا للاستفتاح عاد بمثل الوقعة يوم بدر عليهم، ثم أعلمهم أن فئتهم لا تغني شيئا وإن كانت كثيرة، ثم أعلمهم أنه مع المؤمنين.
وقالت فرقة من المتأولين : قوله وإِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، هي مخاطبة للمؤمنين، وسائر الآية مخاطبة للمشركين، كأنه قال وأنتم الكفار إن تنتهوا فهو خير لكم، وقرأ ابن كثير وعاصم في رواية أبي