المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ١٨٩
فَضَحِكَتْ قال مجاهد : معناه : حاضت، وأنشد على ذلك اللغويون :
وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوق يوم اللقاء
وهذا القول ضعيف قليل التمكن، وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى : حاضت وقرره بعضهم، ويقال ضحك إذا امتلأ وفاض : ورد الزجّاج قول مجاهد، وقال الجمهور : هو الضحك المعروف، واختلف مم ضحكت؟ فقالت فرقة : ضحكت من تأمينهم لإبراهيم بقولهم : لا تَخَفْ. وقال قتادة : ضحكت هزؤا من قوم لوط أن يكونوا على غفلة وقد نفذ من أمر اللّه تعالى فيهم ما نفذ.
وقال وهب بن منبه : ضحكت من البشارة بإسحاق، وقال : هذا مقدم بمعنى التأخير، وقال محمد بن قيس : ضحكت لظنها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط قال القاضي : وهذا قول خطأ لا ينبغي أن يلتفت إليه، وقد حكاه الطبري، وإنما ذكرته لمعنى التنبيه على فساده، وقالت فرقة : ضحكت من فزع إبراهيم من ثلاثة وهي تعهده يغلب الأربعين من الرجال، وقيل : المائة. وقال السدي : ضحكت من أن تكون هي تخدم وإبراهيم يحفد ويسعى والأضياف لا يأكلون. وقيل : ضحكت سرورا بصدق ظنها، لأنها كانت تقول لإبراهيم، إنه لا بد أن ينزل العذاب بقوم لوط، وروي أن الملائكة مسحت العجل فقام حيا فضحكت لذلك.
وقرأ محمد بن زياد الأعرابي :«فضحكت» بفتح الحاء.
وامرأة إبراهيم هذه هي سارة بنت هارون بن ناحور، وهو إبراهيم بن آزر بن ناحور فهي ابنة عمه، وقيل : هي أخت لوط.
قال القاضي أبو محمد : وما أظن ذلك إلا أخوة القرابة لأن إبراهيم هو عم لوط فيما روي : وذكر الطبري أن إبراهيم لما قدم العجل قالوا له : إنّا لا نأكل طعاما إلا بثمن، فقال لهم : ثمنه أن تذكروا اللّه تعالى عليه في أول، وتحمدوه في آخر، فقال جبريل لأصحابه : بحق اتخذ اللّه هذا خليلا.
وقوله : فَبَشَّرْناها أضاف فعل الملائكة إلى ضمير اسم اللّه تعالى إذ كان بأمره ووحيه، وبشر الملائكة سارة بِإِسْحاقَ وبأن إسحاق سيلد يعقوب، ويسمى ولد الولد من الوراء، وهو قريب من معنى وراء في الظروف إذ هو ما يكون خلف الشيء وبعده ورأي ابن عباس رجلا معه شاب، فقال له : من هذا؟ فقال له : ولد ولدي، فقال : هو ولدك من الوراء، فغضب الرجل، فذكر له ابن عباس الآية.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي «يعقوب» بالرفع على الابتداء والخبر المقدم، وهو على هذا دخل في البشرى، وقالت فرقة : رفعه على القطع بمعنى : ومن وراء إسحاق يحدث يعقوب، وعلى هذا لا يدخل في البشارة وقرأ ابن عامر وحمزة «يعقوب» بالنصب واختلف عن عاصم، فمنهم من جعله معطوفا على «إسحاق» إلا أنه لم ينصرف، واستسهل هذا القائل أن فرق بين حرف العطف والمعطوف بالمجرور، وسيبويه لا يجيز هذا إلا على إعادة حرف الجر، وهو كما تقول : مررت بزيد اليوم وأمس عمرو، فالوجه


الصفحة التالية
Icon