المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢١٢
وحسن ذلك دون أن يؤكد لطول الكلام بقوله : كَما أُمِرْتَ. ولا تَطْغَوْا معناه : ولا تتجاوزوا حدود اللّه تعالى، و«الطغيان» : تجاوز الحد ومنه قوله : طَغَى الْماءُ [الحاقة : ١١] وقوله في فرعون : إِنَّهُ طَغى [طه : ٢٤ - ٤٣، النازعات : ١٧]، وقيل في هذه معناه : ولا تطغينكم النعم، وهذا كالأول.
وقرأ الجمهور «تعملون» بتاء، وقرأ الحسن والأعمش «يعملون» بياء من تحت - وقرأ الجمهور :«و لا تركنوا» بفتح الكاف، وقرأ طلحة بن مصرف وقتادة والأشهب العقيلي وأبو عمرو - فيما روى عنه هارون - بضمها، وهو لغة، يقال : ركن يركن وركن يركن، ومعناه السكون، إلى الشيء والرضا به قال أبو العالية :
«الركون» : الرضا. قال ابن زيد :«الركون» : الإدمان.
قال القاضي أبو محمد : فالركون يقع على قليل هذا المعنى وكثيره، والنهي هنا يترتب من معنى الركون على الميل إليهم بالشرك معهم إلى أقل الرتب من ترك التغيير عليهم مع القدرة، والَّذِينَ ظَلَمُوا هنا هم الكفار، وهو النص للمتأولين، ويدخل بالمعنى أهل المعاصي.
وقرأ الجمهور «فتمسكم»، وقرأ يحيى وابن وثاب وعلقمة والأعمش وابن مصرف وحمزة - فيما روي عنه - «فتمسكم» بكسر التاء وهي لغة في كسر العلامات الثلاث دون الياء التي للغائب، وقد جاء في الياء ييجل وييبى، وعللت هذه بأن الياء التي وليت الأولى ردتها إلى الكسر.
وقوله تعالى : أَقِمِ الصَّلاةَ الآية، لم يختلف أحد في أن الصَّلاةَ في هذه الآية يراد بها الصلوات المفروضة، واختلف في طَرَفَيِ النَّهارِ وزلف الليل فقيل : الطرف الأول الصبح، والثاني الظهر والعصر والزلف المغرب والعشاء، قاله مجاهد ومحمد بن كعب القرظي وروي أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال في المغرب والعشاء :«هما زلفتا الليل». وقيل : الطرف الأول : الصبح، والثاني : العصر، قاله الحسن وقتادة والضحاك، والزلف : المغرب والعشاء، وليست الظهر في هذه الآية على هذا القول - بل هي في غيرها، وقيل الطرفان : الصبح والمغرب - قاله ابن عباس والحسن - أيضا - والزلف : العشاء، وليست في الآية الظهر والعصر. وقيل : الطرفان : الظهر والعصر، والزلف : المغرب والعشاء والصبح.
قال القاضي أبو محمد : كأن هذا القائل راعى جهر القراءة، والأول أحسن هذه الأقوال عندي ورجح الطبري أن الطرفين : الصبح والمغرب، وأنه الظاهر، إلا أن عموم الصلوات الخمس بالآية أولى.
وقرأ الجمهور «زلفا» بفتح اللام، وقرأ طلحة بن مصرف وابن محيصن وعيسى وابن إسحاق وأبو جعفر :«زلفا» بضم اللام كأنه اسم مفرد. وقرأ «زلفا» بسكون اللام مجاهد، وقرأ أيضا :«زلفى» على وزن - فعلى - وهي قراءة ابن محيصن. والزلف : الساعات القريب بعضها من بعض. ومنه قول العجاج :[الرجز]
ناج طواه الأين مما وجفا طي الليالي زلفا فزلفا
سماوة الهلال حتى احقوقفا وقوله إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، ذهب جمهور المتأولين من صحابة وتابعين إلى أن الْحَسَناتِ يراد بها الصلوات الخمس - وإلى هذه الآية ذهب عثمان - رضي اللّه عنه - عند وضوئه على