المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٤٢
إلى هند صبا قلبي وهند مثلها يصبي
ومن ذلك قول دريد بن الصمة :[الطويل ]
صبا ما صبا حتى علا الشيب رأسه فلما علاه قال للباطل ابعد
والْجاهِلِينَ هم الذين لا يراعون حدود اللّه تعالى ونواهيه.
وقوله : فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ الآية، قول يوسف عليه السلام : رَبِّ السِّجْنُ إلى قوله : مِنَ الْجاهِلِينَ كلام يتضمن التشكي إلى اللّه عز وجل من حاله معهن، والدعاء إليه في كشف بلواه. فلذلك قال - بعد مقالة يوسف - فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ أي أجابه إلى إرادته وصرف عنه كيدهن في أن حال بينه وبين المعصية، وقوله : السَّمِيعُ الْعَلِيمُ صفتان لائقتان بقوله : فَاسْتَجابَ.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٣٥ الى ٣٦]
ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥) وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦)
لما أبى يوسف المعصية، ويئست منه امرأة العزيز طالبته بأن قالت لزوجها : إن هذا الغلام العبراني قد فضحني في الناس وهو يعتذر إليهم ويصف الأمر بحسب اختياره، وأنا محبوسة محجوبة، فإما أذنت لي فخرجت إلى الناس فاعتذرت وكذبته، وإما حبسته كما أنا محبوسة. فحينئذ بدا لهم سجنه. قال ابن عباس : فأمر به فحمل على حمار، وضرب بالطبل ونودي عليه في أسواق مصر إن يوسف العبراني أراد سيدته فهذا جزاؤه أن يسجن قال أبو صالح : ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلا بكى.
وبَدا معناه : ظهر، والفاعل ب بَدا محذوف تقديره بدو - أو - رأي. وجمع الضمير في لَهُمْ والساجن الملك وحده من حيث كان في الأمر تشاور. ويسجننه جملة دخلت عليها لام القسم. ولا يجوز أن يكون الفاعل ببدا لَيَسْجُنُنَّهُ لأن الفاعل لا يكون جملة بوجه، هذا صريح مذهب سيبويه.
وقيل الفاعل لَيَسْجُنُنَّهُ وهو خطأ، وإنما هو مفسر للفاعل.
والْآياتِ ذكر فيها أهل التفسير أنها قد القميص، قاله مجاهد وغيره، وخمش الوجه الذي كان مع قد القميص، قاله عكرمة، وحز النساء أيديهن، قاله السدي.
قال القاضي أبو محمد : ومقصد الكلام إنما هو أنهم رأوا سجنه بعد بدو الآيات المبرئة له من التهمة، فهكذا يبين ظلمهم له وخمش الوجه وحز النساء أيديهن ليس فيهما تبرية ليوسف، ولا تتصور تبرية إلا في خبر القميص، فإن كان المتكلم طفلا - على ما روي - فهي آية عظيمة، وإن كان رجلا فهي آية فيها


الصفحة التالية
Icon