المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٧٤
سنة، لم يفارق الحزن قلبه، ولم يزل يبكي حتى كف بصره، وما في الأرض يومئذ أكرم على اللّه من يعقوب.
وقوله : أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ
يحتمل أنه أشار إلى حسن ظنه باللّه وجميل عادة اللّه عنده، ويحتمل أنه أشار إلى الرؤيا المنتظرة أو إلى ما وقع في نفسه عن قول ملك مصر : إني أدعو له برؤية ابنه قبل الموت، وهذا هو حسن الظن الذي قدمناه.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ٨٧ الى ٨٨]
يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ (٨٧) فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (٨٨)
المعنى : اذْهَبُوا إلى الأرض التي جئتم منها وتركتم أخويكم بنيامين وروبيل، فَتَحَسَّسُوا، أي استقصوا ونقروا، والتحسس : طلب الشيء بالحواس من البصر والسمع، ويستعمل في الخير والشر، فمن استعماله في الخير هذه الآية، وفي الشر نهي النبي صلى اللّه عليه وسلم في قوله : ولا تحسسوا.
وقوله : مِنْ يُوسُفَ يتعلق بمحذوف يعمل فيه تحسسوا التقدير : فتحسسوا نبأ أو حقيقة من أمر يوسف. لكن يحذف ما يدل ظاهر القول عليه إيجازا.
وقرأت فرقة :«تيأسوا» وقرأت فرقة «تأيسوا» على ما تقدم، وقرأ الأعرج «تئسوا» بكسر التاء.
وخص يوسف وبنيامين بالذكر لأن روبيل إنما بقي مختارا. وهذان قد منعا الأوبة.
و«الروح» : الرحمة. ثم جعل اليأس من رحمة اللّه وتفريجه من صفة الكافرين. إذ فيه إما التكذيب بالربوبية، وإما الجهل بصفات اللّه تعالى.
وقرأ الحسن وقتادة وعمر بن عبد العزيز «من روح اللّه» بضم الراء. وكأن معنى هذه القراءة لا تأيسوا من حي معه روح اللّه الذي وهبه، فإن من بقي روحه فيرجى، ومن هذا قول الشاعر :[الطويل ] وفي غير من قد وارت الأرض فاطمع ومن هذا قول عبيد :
وكل ذي غيبة يؤوب وغائب الموت لا يؤوب
ويظهر من حديث الذي قال : إذا مت فاحرقوني ثم اسحقوني ثم اذروني في البحر والبر في يوم راح. فلئن قدر اللّه علي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا من الناس، إنه يئس من روح اللّه، وليس الأمر كذلك، لأن قول النبي صلى اللّه عليه وسلم في آخر الحديث فغفر اللّه له يقتضي أنه مات مؤمنا إذ لا يغفر


الصفحة التالية
Icon