المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٨٣
الوحي من اللّه تعالى لما أراد أن يمتحن به يعقوب وبنيه، وأراد من صورة جمعهم - لا إله إلا هو - وقال النقاش : كان ذلك الوحي في الجب، وهو قوله تعالى : وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [يوسف : ١٥] وهذا محتمل.
ومما روي في أخبار يعقوب عليه السلام : قال الحسن : إنه لما ورده البشير لم يجد عنده شيئا يثيبه به فقال له : واللّه ما أصبت عندنا شيئا، وما خبزنا منذ سبع ليال، ولكن هون اللّه عليك سكرات الموت. ومن أخباره : أنه لما اشتد بلاؤه وقال : يا رب أعميت بصري وغيبت عني يوسف، أفما ترحمني؟ فأوحى اللّه إليه : سوف أرحمك وأرد عليك ولدك وبصرك، وما عافيتك بذلك إلا أنك طبخت في منزلك حملا فشمه جار لك ولم تساهمه بشيء، فكان يعقوب بعد يدعوه إلى غدائه وعشائه. وحكى الطبري : أنه لما اجتمع شمله كلفه بنوه أن يدعو اللّه لهم حتى يأتي الوحي بأن اللّه قد غفر لهم. قال : فكان يعقوب يصلي ويوسف وراءه وهم وراء يوسف، ويدعو لهم فلبث كذلك عشرين سنة ثم جاءه الوحي : إني قد غفرت لهم وأعطيتهم مواثيق النبوة بعدك. ومن أخباره : أنه لما حضرته الوفاة أوصى إلى يوسف أن يدفنه بالشام، فلما مات نفخ فيه المر وحمله إلى الشام، ثم مات يوسف فدفن بمصر، فلما خرج موسى - بعد ذلك - من أرض مصر احتمل عظام يوسف حتى دفنها بالشام مع آبائه.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠١ الى ١٠٢]
رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (١٠١) ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (١٠٢)
قرأ ابن مسعود «آتيتن» و«علمتن» بحذف الياء على التخفيف، وقرأ ابن ذر «رب آتيتني» بغير «قد».
وذكر كثير من المفسرين : أن يوسف عليه السلام لما عدد في هذه الآية نعم اللّه عنده تشوق إلى لقاء ربه ولقاء الجلة وصالحي سلفه وغيرهم من المؤمنين، ورأى أن الدنيا كلها قليلة فتمنى الموت في قوله :
تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ وقال ابن عباس :«لم يتمن الموت نبي غير يوسف»، وذكر المهدوي تأويلا آخر - وهو الأقوى عندي - أن ليس في الآية تمني موت - وإنما عدد يوسف عليه السلام نعم اللّه عنده ثم دعا أن يتم عليه النعم في باقي عمره أي تَوَفَّنِي - إذا حان أجلي - على الإسلام، واجعل لحاقي بالصالحين، وإنما تمنى الموافاة على الإسلام لا الموت. وورد عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال :«لا يتمنينّ أحدكم الموت لضرّ نزل به». الحديث بكماله. وروي عنه عليه السلام أنه قال في بعض دعائه :
«و إذا أردت في الناس فتنة فاقبضني إليك غير مفتون»، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال : اللهم قد رقّ عظمي وانتشرت وعييت فتوفني غير مقصر ولا عاجز.
قال القاضي أبو محمد : فيشبه أن قول النبي صلى اللّه عليه وسلم : لضر نزل به - إنما يريد ضرر


الصفحة التالية
Icon