المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٨٤
الدنيا كالفقر والمرض ونحو ذلك ويبقى تمني الموت مخافة فساد الدين مباحا، ويدلك على هذا قول النبي عليه السلام :«يأتي على الناس زمان يمر فيه الرجل بقبر الرجل فيقول : يا ليتني مكانه، ليس به الدين لكن ما يرى من البلاء والفتن».
قال القاضي أبو محمد : فقوله : ليس به الدين - يقتضي إباحة ذلك أن لو كان عن الدين وإنما ذكر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حالة الناس كيف تكون.
وقوله : آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ قيل : مِنَ للتبعيض وقيل : لبيان الجنس وكذلك في قوله : مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ والمراد بقوله : الْأَحادِيثِ الأحلام، وقيل : قصص الأنبياء والأمم.
وقوله : فاطِرَ منادى، وقوله : أَنْتَ وَلِيِّي أي القائم بأمري الكفيل بنصرتي ورحمتي.
وقوله تعالى : ذلِكَ مِنْ أَنْباءِالْغَيْبِ
الآية، ذلِكَ إشارة إلى ما تقدم من قصة يوسف، وهذه الآية تعريض لقريش وتنبيه على آية صدق محمد، وفي ضمن ذلك الطعن على مكذبيه.
والضمير في لَدَيْهِمْ عائد إلى إخوة يوسف، وكذلك الضمائر إلى آخر الآية، وأَجْمَعُوا معناه :
عزموا وجزموا، و«الأمر» هنا هو إلقاء يوسف في الجب، و«المكر» هو أن تدبر على الإنسان تدبيرا يضره ويؤذيه، والخديعة هي أن تفعل بإنسان وتقول له ما يوجب أن يفعل هو فعلا فيه عليه ضرر. وحكى الطبري عن أبي عمران الجوني أنه قال : واللّه ما قص اللّه نبأهم ليعيرهم بذلك، إنهم لأنبياء من أهل الجنة، ولكن قص اللّه علينا نبأهم لئلا يقنط عبده.
قوله عز وجل :
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٨]
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧)
قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحانَ اللَّهِ وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٠٨)
هاتان الآيتان تدلان أن الآية التي قبلهما فيها تعريض لقريش ومعاصري محمد عليه السلام، كأنه قال : فإخبارك بالغيوب دليل قائم على نبوتك، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وإن كنت أنت حريصا على إيمانهم، أي يؤمن من شاء اللّه. وقوله : وَلَوْ حَرَصْتَ اعتراض فصيح.
وقوله : وَما تَسْئَلُهُمْ الآية، توبيخ للكفرة وإقامة الحجة عليهم، أي ما أسفههم؟؟؟ في أن تدعوهم إلى اللّه دون أن تبغي منهم أجرا فيقول قائل : بسبب الأجر يدعوهم.