المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٢٩٩
الذي تراه الحامل، فذهب مالك رحمه اللّه وأصحابه، والشافعي وأصحابه، وجماعة، إلى أنه حيض.
وقالت فرقة عظيمة : ليس بحيض، ولو كان حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض وهو إجماع. وروي عن مالك - في كتاب محمد - ما يقتضي أنه ليس بحيض، ومن ذلك أن الأمة مجمعة على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وذلك منتزع من قوله تعالى : وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً [الأحقاف : ١٥] مع قوله تعالى :
وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [البقرة : ٢٣٣].
وهذه الستة أشهر هي بالأهلة - كسائر أشهر الشريعة - ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك - وأظنه في كتاب ابن حارث - أنه إن نقص من الأشهر الستة ثلاثة أيام، فإن الولد يلحق لعلة نقص الشهور وزيادتها واختلف في أكثر الحمل فقيل تسعة أشهر.
قال القاضي أبو محمد : وهذا ضعيف.
وقالت عائشة وجماعة من العلماء أكثره حولان، وقالت فرقة : ثلاثة أعوام وفي المدونة : أربعة أعوام وخمسة أعوام. وقال ابن شهاب وغيره : سبعة أعوام، ويروى أن ابن عجلان ولدت امرأته لسبعة أعوام، وروي أن الضحاك بن مزاحم بقي حولين - قال : وولدت وقد نبتت ثناياي، وروي أن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر.
وقوله تعالى : سَواءٌ مِنْكُمْ الآية : سَواءٌ مصدر وهو يطلب بعده شيئين يتماثلان. ورفعه على خبر الابتداء الذي هو «من» والمصدر لا يكون خبرا إلا بإضمار كما قالت الخنساء :[البسيط] :
..................... فإنما هي إقبال وإدبار أي ذات إقبال وإدبار. فقالت فرقة هنا : المعنى : ذو سواء، وقال الزجاج كثر استعمال سواء في كلام العرب حتى جرى مجرى اسم الفاعل فلا يحتاج إلى إضمار.
قال القاضي أبو محمد : هو عندي كعدل وزور وضيف.
وقالت فرقة : المعنى : مستو منكم، فلا يحتاج إلى إضمار.
قال القاضي أبو محمد : وضعف هذا سيبويه بأنه ابتداء بنكرة.
ومعنى هذه الآية : معتدل منكم في إحاطة اللّه تعالى وعلمه من أسر قوله فهمس به في نفسه، وَمَنْ جَهَرَ بِهِ فأسمع، لا يخفى على اللّه تعالى شيء.
وقوله تعالى : وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ معناه : من هو بالليل في غاية الاختفاء، ومن هو متصرف بالنهار ذاهب لوجهه، سواء في علم اللّه تعالى وإحاطته بهما. وذهب ابن عباس ومجاهد إلى معنى مقتضاه : أن «المستخفي والسارب» هو رجل واحد مريب بالليل، ويظهر بالنهار البراءة في التصرف مع الناس.
قال القاضي أبو محمد : فهذا قسم واحد جعل الليل نهار راحته، والمعنى : هذا والذي أمره كله