المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٠٠
واحد بريء من الريب سواء في اطلاع اللّه تعالى على الكل، ويؤيد هذا التأويل عطف السارب دون تكرار مَنْ ولا يأتي حذفها إلا في الشعر و«السارب» - في اللغة - المتصرف كيف شاء، ومن ذلك قول الشاعر :
[الأخنس بن شهاب الثعلبي ] [الطويل ]
أرى كل قوم كاربوا قيد محلهم ونحن حللنا قيده فهو سارب
أي متصرف غير مدفوع عن جهة، وهذا رجل يفتخر بعزة قومه، ومن ذلك قول الآخر :[قيس بن الخطيم ] [الكامل ]
إني سربت وكنت غير سروب وتقرب الأحلام غير قريب
وتحتمل الآية أن تتضمن ثلاثة أصناف : فالذي يسر طرف، والذي يجهر طرف مضاد للأول، والثالث : متوسط متلون : يعصي بالليل مستخفيا، ويظهر البراءة بالنهار. والْقَوْلَ في الآية يطرد معناه في الأعمال.
وقال قطرب - فيما حكى الزجاج - مُسْتَخْفٍ معناه : الظاهر من قولهم خفيت الشيء إذا أظهرته.
قال القاضي أبو محمد : قال امرؤ القيس :[الطويل ]
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلّب
قال : وسارِبٌ معناه : متوار في سرب.
قال القاضي أبو محمد : وهذا القول - وإن كان تعلقه باللغة بينا - فضعيف، لأن اقتران الليل ب «المستخفي»، والنهار ب «السارب» - يرد على هذا القول.
قوله عز وجل :
[سورة الرعد (١٣) : الآيات ١١ الى ١٣]
لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣)
اختلف المتأولون في عود الضمير من لَهُ : فقالت فرقة : هو عائد على اسم اللّه عز وجل المتقدم ذكره، و«المعقبات» - على هذا الملائكة الحفظة على العباد أعمالهم، والحفظة لهم أيضا - قاله الحسن، وروى فيه عثمان بن عفان حديثا عن النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو قول مجاهد والنخعي - والضمير على هذا في قوله : يَدَيْهِ وما بعده من الضمائر عائد على العبد المذكور في قوله : مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ