المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٢٠
وقوله تعالى : وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا الآية، المعنى : ويكذبك يا محمد هؤلاء الكفرة ويقولون :
لست مرسلا من اللّه وإنما أنت مدع، قل لهم : كَفى بِاللَّهِ شَهِيداً.
وبِاللَّهِ في موضع رفع، التقدير : كفى اللّه. و«شهيد» بمعنى : شاهد، وقوله : وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ قيل : يريد اليهود والنصارى الذين عندهم الكتب الناطقة برفض الأصنام وتوحيد اللّه تعالى، وقال قتادة : يريد من آمن منهم كعبد اللّه بن سلام وتميم الداري وسلمان الفارسي، الذين يشهدون بتصديق محمد، وقال مجاهد : يريد عبد اللّه بن سلام خاصة، قال هو : فيّ نزلت وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ.
قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان الأخيران لا يستقيمان إلا أن تكون الآية مدنية، والجمهور على أنها مكية - قاله سعيد بن جبير، وقال : لا يصح أن تكون الآية في ابن سلام لكونها مكية وكان يقرأ :
«و من عنده علم الكتاب».
وقيل : يريد جنيا معروفا، حكاه النقاش، وهو قول شاذ ضعيف. وقيل : يريد اللّه تعالى، كأنه استشهد باللّه تعالى، ثم ذكره بهذه الألفاظ التي تتضمن صفة تعظيم. ويعترض هذا القول بأن فيه عطف الصفة على الموصوف، وذلك لا يجوز وإنما تعطف الصفات بعضها على بعض. ويحتمل أن تكون في موضع رفع بالابتداء، والخبر محذوف تقديره : أعدل وأمضى قولا، ونحو هذا مما يدل عليه لفظ شَهِيداً ويراد بذلك اللّه تعالى.
وقرأ علي بن أبي طالب وأبي بن كعب وابن عباس وابن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك والحكم وغيرهم «و من عنده علم الكتاب» بكسر الميم من «من» وخفض الدال، قال أبو الفتح : ورويت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم، وقرأ علي بن أبي طالب أيضا والحسن وابن السميفع «و من عنده علم الكتاب» بكسر الميم من «من» وضم العين من «علم» على أنه مفعول لم يسم فاعله، ورفع الكتاب، وهذه القراءات يراد فيها اللّه تعالى، لا يحتمل لفظها غير ذلك. واللّه المعين برحمته.