المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٥٨
من العدم إلى وجود الحياة، وبرده عند البعث من مرقده ميتا، ونميت بإزالة الحياة عمن كان حيا، وَنَحْنُ الْوارِثُونَ، أي لا يبقى شيء سوانا، وكل شيء هالك إلا وجهه لا رب غيره.
ثم أخبر تعالى بإحاطة علمه بمن تقدم من الأمم، وبمن تأخر في الزمن من لدن أهبط آدم إلى الأرض إلى يوم القيامة، وأعلم أنه هو الحاشر لهم الجامع لعرض القيامة على تباعدهم في الأزمان والأقطار، وأن حكمته وعلمه يأتيان بهذا كله على أتم غاياته التي قدرها وأرادها.
وقرأ الأعرج «يحشرهم» بكسر الشين.
قال القاضي أبو محمد : بهذا سياق معنى الآية، وهو قول جمهور المفسرين. وقال الحسن : معنى قوله : وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ أي في الطاعة، والبدار إلى الإيمان والخيرات، والْمُسْتَأْخِرِينَ بالمعاصي.
قال القاضي أبو محمد : وإن كان اللفظ يتناول كل تقدم وتأخر على جميع وجوهه فليس يطرد سياق معنى الآية إلا كما قدمنا، وقال ابن عباس ومروان بن الحكم وأبو الجوزاء : نزل قوله : وَلَقَدْ عَلِمْنَا الآية، في قوم كانوا يصلون مع النبي صلى اللّه عليه وسلم وكانت تصلي وراءه امرأة جميلة، فكان بعض القوم يتقدم في الصفوف لئلا تفتنه، وكان بعضهم يتأخر ليسرق النظر إليها في الصلاة، فنزلت الآية فيهم.
قال القاضي أبو محمد : وما تقدم الآية من قوله : وَنَحْنُ الْوارِثُونَ وما تأخر من قوله : وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ، يضعف هذه التأويلات، لأنها تذهب اتصال المعنى، وقد ذكر ذلك محمد بن كعب القرظي لعون بن عبد اللّه.
وقوله تعالى : وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ الآية، الْإِنْسانَ هنا للجنس، والمراد آدم، قال ابن عباس سمي بذلك لأنه عهد إليه فنسي، ودخل من بعده في ذلك إذ هو من نسله. و«الصلصال» : الطين الذي إذا جف صلصل، هذا قول فرقة، منها من قال : هو طين الخزف، ومنها قول الفراء : هو الطين الحر يخالطه رمل دقيق. وقال ابن عباس : خلق من ثلاثة : من طين لازب وهو اللازق والجيد، ومن صَلْصالٍ وهو الأرض الطيبة يقع عليها الماء ثم ينحسر فتشقق وتصير مثل الخزف، ومن حَمَإٍ مَسْنُونٍ وهو الطين في الحمأة.
قال القاضي أبو محمد : وكان الوجه أن يقال - على هذا المعنى - صلال، ولكن ضوعف الفعل من فائه وأبدلت إحدى اللامين من صلاص صادا. وهذا مذهب الكوفيين، وقاله ابن جني والزبيدي ونحوهما على البصرة، ومذهب جمهور البصريين : إنهما فعلان متباينان، وكذلك قالوا في ثرة وثرثارة. قال بعضهم :
تقول : صل الخزف ونحوه : إذا صوت بتمديد : فإذا كان في صوته ترجيع كالجرس ونحوه قلت : صلصل، ومنه قول الكميت :[البسيط]
فينا العناجيج تردي في أعنتها شعثا تصلصل في أشداقها اللجم
وقال مجاهد وغيره : صَلْصالٍ هنا إنما هو مأخوذ من صل اللحم وغيره : إذا أنتن.