المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٣٧٨
[ص : ١٦] ونحوه من العذاب، أو على مستبطئي النصر من المؤمنين في قراءة من قرأ بالتاء، وقرأ الجمهور «فلا تستعجلوه» بالتاء على مخاطبة المؤمنين أو على مخاطبة الكافرين بمعنى قل لهم :«فلا تستعجلوه»، وقرأ سعيد بن جبير بالياء على غيبة المشركين، وقرأ حمزة والكسائي بالتاء من فوق وجميع الباقين قرأ «يشركون» بالياء، ورجح الطبري القراءة بالتاء من فوق في الحرفين، قال أبو حاتم : قرأ «يشركون» بالياء، من تحت في هذه والتي بعدها الأعرج وأبو جعفر ونافع وأبو عمرو وابن نصاح والحسن وأبو رجاء، وقرأ عيسى الأولى بالتاء من فوق، والثانية بالياء من تحت، وقرأهما جميعا بالتاء من فوق أبو العالية وطلحة والأعمش وأبو عبد الرحمن ويحيى بن وثاب والجحدري، وقد روى الأصمعي عن نافع التاء في الأولى.
وقوله سُبْحانَهُ معناه تنزيها له، وحكى الطبري عن ابن جريج، قال : لما نزلت أَتى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ قال رجال من الكفار، إن هذا يزعم أن أمر اللّه قد أتى فأمسكوا عما أنتم بسبيله حتى ننظر، فلما لم يروا شيئا عادوا فنزلت اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ [الأنبياء : ١] فقالوا مثل ذلك : فنزلت وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ [هود : ٨]، وقال أبو بكر بن حفص : لما نزلت أَتى أَمْرُ اللَّهِ رفعوا رؤوسهم، فنزلت فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ، وحكى الطبري عن أبي صادق أنه قرأ :«يا عبادي أتى أمر اللّه فلا تستعجلوه». وسُبْحانَهُ نصب على المصدر أي تنزيها له، وقرأ نافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي «ينزّل» بالياء وشد الزاي، ورجحها الطبري لما فيها من التكثير، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بتخفيف الزاي مكسورة وسكون النون، وقرأ ابن أبي عبلة بالنون التي للعظمة وشد الزاي، وقرأ قتادة بالنون وتخفيف الزاي وسكون النون، وفي هذه والتي قبلها شذوذ كثير، وقرأ أبو عمرو عن عاصم «تنزّل الملائكة» بضم التاء وفتح النون والزاي وشدها ورفع «الملائكة» على ما لم يسم فاعله، وهي قراءة الأعمش، وقرأ الجحدري بالتاء مضمومة وسكون النون وفتح الزاي، وقرأ الحسن وأبو العالية وعاصم الجحدري والأعرج بفتح التاء مضمومة وسكون النون وفتح الزاي، وقرأ الحسن وأبو العالية وعاصم الجحدري والأعرج بفتح التاء ورفع «الملائكة» على أنها فاعلة، ورواها المفضل عن عاصم، والْمَلائِكَةَ هنا جبريل، واختلف المتأولون في «الروح» فقال مجاهد، «الروح» النبوة، وقال ابن عباس : الوحي، وقال قتادة : بالرحمة والوحي، وقال الربيع بن أنس :
كل كلام اللّه روح، ومنه قوله تعالى أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى : ٥٢] وقال ابن جريج : الروح شخص له صورة كصورة بني آدم ما نزل جبريل قط إلا وهو معه، وهو كثير، وهم ملائكة، وهذا قول ضعيف لم يأت به سند، وقال الزجاج :«الروح» ما تحيى به القلوب من هداية اللّه تعالى.
قال القاضي أبو محمد : وهذا قول حسن، فكأن اللفظة على جهة التشبيه بالمقايسة إلى الأوامر التي هي في الأفعال والعبادات كالروح للجسد، ألا ترى قوله أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً [الأنعام : ١٢٢].
قال القاضي أبو محمد : ومِنْ في هذه الآية على هذا التأويل الذي قدرنا للتبعيض، وعلى سائر الأقوال لبيان الجنس، ومِنْ في قوله مَنْ يَشاءُ هي للأنبياء، وأَنْ في موضع خفض بدل من «الروح»، ويصح أن تكون في موضع نصب بإسقاط الخافض على تقدير بأن أنذروا، ويحتمل أن تكون مفسرة بمعنى أي، وقرأ الأعمش «لينذروا أنه»، وحسنت النذارة هنا وإن لم يكن في اللفظ ما فيه خوف من


الصفحة التالية
Icon