المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٠٦
بعينها، والسّكر من غيرها». هكذا في الرواية الصحيحة بفتح السين والكاف، أي جميع ما يسكر منه حرم على حد تحريم الخمر قليله وكثيره، ورواه العراقيون، و«السّكر» بضم السين وسكون الكاف وهذا مبني على فقههم في أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فقليله حلال، وباقي الآية بين، وقوله تعالى :
وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ الآية، الوحي في كلام العرب إلقاء المعنى من الموحي إلى الموحى إليه في خفاء، فمنه الوحي إلى الأنبياء برسالة الملك، ومنه وحي الرؤيا، ومنه وحي الإلهام، وهو الذي في آياتنا هذه باتفاق من المتأولين، والوحي أيضا بمعنى الأمر، كما قال تعالى بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها [الزلزلة : ٥].
وقرأ يحيى بن وثاب «إلى النّخطف كُلِي على اتَّخِذِي، ومِنْ للتبعيض، أي كلي جزءا أو شيئا من كل الثمرات، وذلك أنها إنما تأكل النوار من أشجار، و«السبل» الطرق وهي مسالكها في الطيران وغيرها، وأضافها إلى «الرب» من حيث هي ملكه وخلقه التي يسر لك ربك، وقوله ذُلُلًا يحتمل أن يكون حالا من النَّحْلِ، أي مطيعة منقادة لما يسرت له، قاله قتادة، وقال ابن زيد : فهم يخرجون بالنحل ينتجعون وهي تتبعهم، وقرأ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ [يس : ٧١ - ٧٢]، ويحتمل أن يكون حالا من «السبل» أي مسهلة مستقيمة، قال مجاهد : لا يتوعر عليها سبيل تسلكه، ثم ذكر تعالى على جهة تعديد النعمة والتنبيه على العبرة أمر العسل في قوله يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها، وجمهور الناس على أن العسل يخرج من أفواه النحل، وورد عن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه أنه قال في تحقير الدنيا : أشرف لباس ابن آدم فيها لعاب دودة، وأشرف شرابه رجيع نحلة، فظاهر هذا أنه من غير الفم، و«اختلاف الألوان» في العسل بحسب اختلاف النحل والمراعي وقد يختلف طعمه بحسب اختلاف المراعي، ومن هذا المعنى قول زينب للنبي صلى اللّه عليه وسلم : جرست نحله العرفط حين شبهت رائحته برائحة المغافير، وقوله فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ الضمير للعسل، قاله الجمهور : ولا يقتضي العموم في كل علة وفي كل إنسان، بل هو خبر عن أنه يشفي كما يشفي غيره من الأدوية في بعض دون بعض وعلى حال دون حال، ففائدة الآية إخبار منبه منه في أنه دواء كما كثر الشفاء به وصار خليطا ومعينا للأدوية في الأشربة والمعاجين، وقد روي عن ابن عمر أنه كان لا يشكو شيئا إلا تداوى بالعسل، حتى إنه كان يدهن به الدمل والضرحة ويقرأ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ.
قال القاضي أبو محمد : وهذا يقتضي أنه يرى الشفاء به على العموم، وقال مجاهد : الضمير


الصفحة التالية
Icon