المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤١٥
قال القاضي أبو محمد : فكأنهم كذبوهم في التذنيب لهم وقوله وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ، الضمير في أَلْقَوْا عائد على المشركين، والمعنى ألقوا إليه الاستسلام، وألقوا ما بأيديهم وذلوا لحكمه، ولم تكن لهم حيلة ولا دفع، والسَّلَمَ الاستسلام، وقرأ الجمهور «السلم» بفتح اللام، وروى يعقوب عن أبي عمرو سكون اللام، وقرأ مجاهد «السّلم» بضم السين واللام، وقوله وَضَلَّ عَنْهُمْ معناه وتلف عنهم كذبهم على اللّه وافتراؤهم الكفر والتشريك، وقوله الَّذِينَ كَفَرُوا الآية، في ضمن قوله وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ لأنه حل بهم عذاب اللّه وباشروا نقمته، ثم فسره فأخبر أن الذين كفروا ومنعوا غيرهم من الدخول في الدين وسلوك سبيل اللّه زادهم عذابا أجلّ من العذاب العام لجميع الناس عقوبة على إفسادهم، فيحتمل أن يكون قوله الَّذِينَ بدلا من الضمير في يَفْتَرُونَ، وزِدْناهُمْ فعل مستأنف إخباره، ويحتمل أن يكون الَّذِينَ ابتداء وزِدْناهُمْ خبره، وروي في ذلك أن اللّه تعالى يسلط عليهم عقارب وحيات لها أنياب كالنخل الطوال، قاله ابن مسعود، وقال عبيد بن عمير : لها أنياب كالنخل وعقارب كالبغال الدهم، ونحو هذا عن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي، إن لجهنم سواحل فيها هذه الحيات وهذه العقارب، فيفر الكافر إلى السواحل من النار، فتلقاهم هذه الحيات والعقارب، فيفرون منها إلى النار فتتبعهم حتى تجد حر النار، فترجع، قال وهي في أسراب، وقوله تعالى وَيَوْمَ نَبْعَثُ الآية، هذه الآية في ضمنها وعيد، والمعنى واذكر يوم نبعث في كل أمة شهيدا عليها، وهو رسولها الذي شاهد في الدنيا تكذيبها وكفرها، وإيمانها وهداها، ويجوز أن يبعث اللّه شهيدا من الصالحين مع الرسل، وقد قال بعض الصحابة : إذا رأيت أحدا على معصية فانهه فإن أطاعك وإلا كنت شهيدا عليه يوم القيامة، مِنْ أَنْفُسِهِمْ بحسب أن بعثة الرسل كذلك، في
الدنيا وذلك أن الرسول الذي من نفس الأمة في اللسان والسير وفهم الأغراض والإشارات يتمكن له إفهامهم والرد على معانديهم، ولا يتمكن ذلك من غير من هو من الأمة، فلذلك لم يبعث اللّه قط نبيا إلا من الأمة المبعوث إليهم، وقوله هؤُلاءِ إشارة إلى هذه الأمة والْكِتابَ القرآن، وقوله تِبْياناً اسم وليس بالمصدر، وهو كالنقصان، والمصادر في مثل هذا، التاء فيها مفتوحة كالترداد والتكرار، ونصب تِبْياناً على الحال. وقوله لِكُلِّ شَيْءٍ أي مما يحتاج في الشرع ولا بد منه في الملة كالحلال والحرام والدعاء إلى اللّه والتخويف من عذابه، وهذا حصر ما اقتضته عبارات المفسرين، وقال ابن مسعود : أنزل في هذا القرآن كل علم، وكل شيء قد بين لنا في القرآن، ثم تلا هذه الآية.
قوله عز وجل :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٩٠ الى ٩١]
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٩١)
قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه : أجمل آية في كتاب اللّه آية في سورة النحل، وتلا هذه الآية،


الصفحة التالية
Icon