المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤١٧
شروط، وروي أن جماعة رفعت على عاملها إلى أبي جعفر المنصور العباسي، فحاجها العامل وغلبها بأنهم لم يبينوا عليه كبيرة ظلم، ولا جوروه له في شيء، فقام فتى من القوم، فقال يا أمير المؤمنين : إن اللّه أمر بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ، وأنه عدل ولم يحسن، قال : فعجب أبو جعفر من إصابته وعزل العامل، وقوله وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ، الآية مضمن قوله إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ الآية، افعلوا كذا وانتهوا عن كذا، فعطف على ذلك التقدير قوله وَأَوْفُوا، و«عهد اللّه» لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة أو مواثقة في أمر موافق للديانة، وبالجملة كل ما كان طاعة بين العاهد وبين ربه، كان فيه نفع للغير أو لم يكن، وقوله وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ خص في هذه الألفاظ العهود التي تقترن بها أيمان تهمما بها وتنبيها عليها.
قال القاضي أبو محمد : وهذا في كل ما كان الثبوت فيه على اليمين طاعة للّه وما كان الانصراف عنه أصوب في الحق فهو الذي قال فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم :«من حلف على يمين ثم رأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير». ويقال تأكيد وتوكيد ووكد وأكد وهما لغتان، وقال الزجاج :
الهمزة مبدلة من الواو.
قال القاضي أبو محمد : وهذا غير بين، لأنه ليس في وجوه تصريفه ما يدل على ذلك، وكَفِيلًا معناه متكفلا بوفائكم، وباقي الآية وعيد في ضمن خبر بعلم اللّه تعالى بأفعال عباده، وقالت فرقة : نزلت هذه الآية في الذين بايعوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على الإسلام، رواه أبو ليلى عن مزيدة، وقال قتادة ومجاهد وابن زيد : نزلت فيما كان من تحالف الجاهلية في أمر بمعروف أو نهي عن منكر، فزادها الإسلام شدة.
قال القاضي أبو محمد : كما قال صلى اللّه عليه وسلم :«لا حلف فى الإسلام وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة»، وهذا حديث معنى، وإن كان السبب بعض هذا الأشياء، فالألفاظ الآية عامة على جهة مخاطبة العالمين أجمعين.
قوله عز وجل :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ٩٢ الى ٩٣]
وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً تَتَّخِذُونَ أَيْمانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّما يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ ما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٩٢) وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَلَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٣)
شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقدة بالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكما، وشبه الذي ينقض عهده بعد الإحكام بتلك الغازلة إذا نقضت قوى ذلك الغزل فحلته بعد إبرامه، ويروى أن امرأة حمقاء كانت بمكة تسمى ريطة بنت سعد كانت تفعل ذلك، فبها وقع التشبيه، قاله عبد اللّه بن كثير والسدي