المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٢٣
صدرا بالكفر فعليهم»، وهذا الضمير على معنى من لا على لفظها.
قال القاضي أبو محمد : وفي هذا من الاعتراض أن أمر ابن أبي سرح وأولئك إنما كان ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بالمدينة، والظاهر من هذه الآية أنها مكية وقالت فرقة مَنْ في قوله مَنْ كَفَرَ ابتداء، وقوله مَنْ شَرَحَ تخصيص منه، ودخل الاستثناء لما ذكرنا من إخراج عمار وشبهه، وردنا من الاستثناء إلى المعنى الأول الاستدراك ب وَلكِنْ، وقوله فَعَلَيْهِمْ خبر مَنْ الأولى والثانية، إذ هو واحد بالمعنى، لأن الإخبار في قوله مَنْ كَفَرَ إنما قصد به الصنف الشارح بالكفر، وصَدْراً نصب على التمييز، وقوله شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً معناه انبسط إلى الكفر باختياره، ويروى أن عمار بن ياسر شكا إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ما صنع به من العذاب، وما سامع به من القول، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كيف تجد قلبك؟ قال : أجده مطمئنا بالإيمان، قال فأجبهم بلسانك فإنه لا يضرك وإن عادوا فعد.
قال القاضي أبو محمد : ويتعلق بهذه الآية شيء من مسائل الإكراه أما من عذبه كافر قادر عليه ليكفر بلسانه، وكان العذاب يؤدي إلى قتله فله الإجابة باللسان، قولا واحدا فيما أحفظ، فإن أراد منه الإجابة بفعل كالسجود إلى صنم ونحو ذلك ففي هذا اختلاف، فقالت فرقة هي الجمهور : يجيب بحسب التقية، وقالت فرقة : لا يجيب ويسلم نفسه، وقالت فرقة : إن كان السجود نحو القبلة أجاب، واعتقد السجود للّه.
قال القاضي أبو محمد : وما أحراه أن يسجد للّه حينئذ حيثما توجه، وهذا مباح في السفر لتعب النزول عن الدابة في التنفل، فكيف لهذا، وإذا احتجت فرقة المنع بقول ابن مسعود : ما من كلام يدرأ عني سوطين من ذي سلطان إلا كنت متكلما به، فقصر الرحمة على القول، ولم يذكر الفعل.
قال القاضي أبو محمد : وليس هذا بحجة لأنه يحتمل أن جعل الكلام مثالا وهو يريد أن الفعل في حكمه، فأما الإكراه على البيع والإيمان والطلاق والعتق والفطر في رمضان وشرب الخمر ونحو هذا من المعاصي التي بين العبد واللّه عز وجل، فلا يلزم المكره شيء من ذلك، قاله مطرف، ورواه عن مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وروياه عن ابن القاسم عن مالك، وفرق ابن عباس بين ما هنا قول كالعتق والطلاق فجعل فيها التقية، وقال : لا تقية فيما كان فعلا كشرب الخمر والفطر في رمضان، ولا يحل فعلها لمكره، فأما المظلوم يضغط حتى يبيع متاعه فذلك بيع لا يجوز عليه، وهو أولى بمتاعه يأخذه بلا ثمن، ويتبع المشتري بالثمن ذلك الظالم، فإن أفات المتاع رجع بثمنه أو بقيمته بالأكثر من ذلك على الظالم إذا كان المشتري غير عالم بظلمه، قال مطرف : ومن كان من المشترين يعلم حال المكره فإنه ضامن لما ابتاع من رقيقه وعروضه كالغاصب، وأما من لا يعلم فلا يضمن العروض والحيوان وإنما يضمن ما كان تلفه بسببه مثل طعام أكله أو ثوب لبسه، والغلة إذا علم أو لم يعلم ليست له بحال، هو لها ضامن كالغاصب، وقاله أصبغ وابن عبد الحكم، قال مطرف : وكل ما أحدث المبتاع في ذلك من عتق أو تدبير أو تحبيس فلا يلزم المكره، وله أخذ متاعه، وأما الإكراه على قتل مسلم أو جلده أو أخذ ماله أو بيع متاعه فلا عذر فيه، ولا