المحرر الوجيز، ج ٣، ص : ٤٢٤
استكراه في ركوب معصية تنتهك مثل حد كالزنا والقتل أو نحوه، قال مطرف وأصبغ وابن عبد الحكم : لا يفعل أحد ذلك وإن قتل إن لم يفعله، فإن فعل فهو آثم، ويلزمه الحد والقود، قال مالك : والقيد إكراه، والسجن إكراه، والوعيد المخوف إكراه وإن لم يقع إذا تحقق ظلم ذلك المتعدي وإنفاذه لما يتوعد.
قال القاضي أبو محمد : ويعتبر الإكراه عندي بحسب همة المكره وقدره في الدين، وبحسب قدر الشيء الذي يكره عليه، فقد يكون الضرب إكراها في شيء دون شيء، فلهذه النوازل فقه الحال، وأما يمين المكره كما قلنا فهي غير لازمة، قال ابن الماجشون : وسواء حلف فيما هو للّه طاعة، أو فيما هو للّه معصية، أو فيما ليس في فعله طاعة ولا معصية، فاليمين فيه ساقطة، وإن أكره على اليمين فيما هو طاعة مثل أن يأخذ الوالي رجلا فاسقا فيكرهه أن يحلف بالطلاق أن لا يشرب خمرا أو لا يفسق أو لا يغش في عمله، أو الوالد يحلف ولده في مثل هذا تأديبا له، فإن اليمين تلزم، وإن كان المكره قد أخطأ فيما تكلف من ذلك، وقال به ابن حبيب، وأما إن أكره رجل على أن يحلف وإلا أخذ له مال كأصحاب المسكن وظلمة السعاة وأهل الاعتداء، فقال مطرف : لا تقية في ذلك، وإنما يدرأ المرء بيمينه عن بدنه لا عن ماله، وقال ابن الماجشون : لا يحنث وإن درأ عن ماله ولم يخف على بدنه، وقال ابن القاسم بقول مطرف، ورواه عن مالك، وقاله ابن عبد الحكم وأصبغ وابن حبيب، قال مطرف وابن الماجشون : وإن بدر الحالف يمينه للوالي الظالم قبل أن يسألها ليذب بها عما خاف عليه من بدنه وماله فحلف له فإنه يلزمه، قاله ابن عبد الحكم وأصبغ، وقال أيضا ابن الماجشون فيمن أخذه ظالم فحلف له بالطلاق البتة من غير أن يحلفه وتركه وهو كاذب وإنما حلف خوفا من ضربه أو قتله أو أخذ ماله فإن كان إنما يتبرع باليمين غلبة خوف ورجاء النجاة من ظلمه فقد دخل في الإكراه ولا شيء عليه، وإن لم يحلف على رجاء النجاة فهو حانث، وإذا اتهم الوالي أحدا بفعل أمر فقال لا بد من عقوبتك إلا أن تحلف لي، فإن كان ذلك الأمر مما لذلك المكروه فعله إما أن يكون طاعة وإما أن يكون لا طاعة ولا معصية، فالتقية في هذا، وأما إن كان ذلك الأمر مما لا يحل لذلك الرجل فعله ويكون نظر الوالي فيه صوابا فلا تقية
في اليمين، وهو حانث، قاله مالك وابن الماجشون.
قال القاضي أبو محمد : فهذه نبذة من مسائل الإكراه.
قوله عز وجل :
[سورة النحل (١٦) : الآيات ١٠٧ الى ١١١]
ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (١٠٧) أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ (١٠٨) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٠٩) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٠) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (١١١)
قوله ذلِكَ إشارة إلى الغضب والعذاب الذي توعد به قبل هذه الآية، والضمير في أنهم