المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٤٢
وقول الآخر :[الوافر]
وكنت لزاز خصمك لم أعرد وقد سلكوك في يوم عصيب
يقال سلك وأسلك بمعنى، وقرأ حفص عن عاصم «من كلّ» بتنوين «كلّ»، وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم بإضافة «كلّ» دون تنوين و«الزوجان» كل ما شأنه الاصطحاب من كل شيء كالذكر والأنثى من الحيوان ونحو النعال وغيرها كل واحد زوج للآخر هذا موقع اللفظة في اللغة، والعدديون يوقعون الزوج على الاثنين وعلى هذا أمر استعمال العامة للزوج، وقوله وَأَهْلَكَ يريد قرابته ثم استثنى مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بأنه كافر وهو ابنه وامرأته، ثم أمر نوح عليه السلام أن لا يراجع ربه ولا يخاطبه شافعا في أحد من الظالمين، والإشارة إلى من استثنى إذ العرف من البشر الحنو على الأهل، ثم أمره تعالى بأن يحمد ربه على النجاة من الظلمة عند استوائه وتمكنه في الفلك، ثم أمره بالدعاء في بركة المنزل، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر «منزلا» بفتح الميم وكسر الزاي وهو موضع النزول، وقرأ الباقون وحفص عن عاصم «منزلا» وهو مصدر بمعنى الإنزال بضم الميم وفتح الزاي، ويجوز أن يراد موضع النزول وقوله إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ، خطاب لمحمد صلى اللّه عليه وسلم أي أن فيما جرى على هذه الأمم لعبرا ودلائل لمن له نظر وعقل، ثم أخبر أنه تعالى يبتلي عباده الزمن بعد الزمن على جهة الوعيد لكفار قريش بهذا الإخبار، وإِنَّ عند سيبويه هي المخففة من الثقيلة واللام لام تأكيد، والفراء يقول إِنَّ نافية واللام بمعنى إلا ولَمُبْتَلِينَ معناه لمصيبين ببلاء ومختبرين اختبارا يؤدي إلى ذلك.
قوله عز وجل :
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣١ الى ٣٤]
ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ (٣١) فَأَرْسَلْنا فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ (٣٢) وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقاءِ الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْناهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ما هذا إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ (٣٣) وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ (٣٤)
قال الطبري رحمه اللّه : إن هذا «القرن» هم ثمود و«رسولهم» صالح.
قال القاضي أبو محمد : وفي جل الروايات ما يقتضي أن قوم عاد أقدم إلا أنهم لم يهلكوا بصيحة، وفي هذا احتمالات كثيرة واللّه أعلم، وَأَتْرَفْناهُمْ معناه نعمناهم وبسطنا لهم الآمال والأرزاق، ومقالة هؤلاء أيضا تقتضي استبعاد بعثة البشر وهذه الطائفة وقوم نوح لم يذكر في هذه الآيات أن المعجزة ظهرت لهم وأنهم كذبوا بعد وضوحها ولكن ذلك مقدر معلوم وإن لم تعين لنا المعجزة والعقاب لا يتعلق بأحد إلا بعد تركه الواجب عليه، ووجوب الاتباع إنما هو بعد قيام الحجة على المرء أو على من هو المقصد، والجمهور كالعرب في معجزة القرآن والأطباء لعيسى، والسحرة لموسى، فبقيام الحجة على هؤلاء قامت على جميع من وراءهم.