المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ١٤٣
قوله عز وجل :
[سورة المؤمنون (٢٣) : الآيات ٣٥ الى ٣٩]
أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ (٣٥) هَيْهاتَ هَيْهاتَ لِما تُوعَدُونَ (٣٦) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٣٧) إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ (٣٨) قالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِما كَذَّبُونِ (٣٩)
قوله أَيَعِدُكُمْ استفهام بمعنى التوقيف على جهة الاستبعاد وبمعنى الهزء بهذا الوعد.
وأَنَّكُمْ الثانية بدل من الأولى عند سيبويه وفيه معنى تأكيد الأولى وكررت لطول الكلام، وكأن المبرد أبى عبارة البدل لكونه من غير مستقل إذ لم يذكر خبر «أن» الأولى والخبر عند سيبويه محذوف تقديره أنكم تبعثون إذا متم، وهذا المقدر هو العامل في إِذا وفي قراءة عبد اللّه بن مسعود «أ يعدكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون» بحذف أَنَّكُمْ الأولى، ويعنون بالإخراج النشور من القبور، وقوله هَيْهاتَ هَيْهاتَ استبعاد، وهذه كلمة لها معنى الفعل، التقدير بعد كذا، فطورا تلي الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أي بعد ذلك، ومنه قول جرير :[الطويل ]
فأيهات أيهات العقيق ومن به وأيهات خل بالعقيق نواصله
وأحيانا يكون الفاعل محذوفا وذلك عند اللام كهذه الآية، التقدير بعد الوجود لما توعدون، ومن حيث كانت هذه اللفظة بمعنى الفعل أشبهت الحروف مثل صه وغيرها، فلذلك بنيت على الفتح، وهذه قراءة الجماعة بفتح التاء وهي مفرد سمي به الفعل في الخبر، أي بعد، كما أن شتان اسم افترق وعرف تسمية الفعل أن يكون في الأمر كصه وحسن، وقرأ أبو جعفر «هيهات هيهات» بكسر التاء غير منونة، وقرأها عيسى بن عمر وأبو حيوة بخلاف عنه «هيهات هيهات» بتاء مكسورة منونة وهي على هاتين القراءتين عند سيبويه جمع «هيهات» وكان حقها أن تكون هيهاتي» إلا أن ضعفها لم يقتض إظهار الياء فقال سيبويه رحمه اللّه هي مثل بيضات أراد في أنها جمع فظن بعض النحاة أنه أراد في اتفاق المفرد فقال واحد «هيهات» هيهة وليس كما قال، وتنوين عيسى على إرادة التنكير وترك التعريف، وقرأ عيسى الهمداني «هيهات» بتاء ساكنة وهي على هذا جماعة لا مفرد، وقرأها كذلك الأعرج، ورويت عن أبي عمرو وقرأ أبو حيوة «هيهات» بتاء مرفوعة منونة وهذا على أنه اسم معرب مستقل وخبره تُوعَدُونَ أي البعد لوعدكم، كما تقول النجح لسعيكم، وروي عن أبي حيوة «هيهات» بالرفع دون تنوين، وقرأ خالد بن إلياس «هيهاتا هيهاتا» بالنصب والتنوين والوقف على «هيهات» من حيث هي مبنية بالهاء، ومن قرأ بكسر التاء وقف بالتاء، وفي اللفظة لغات «هيها وهيهات وهيهان وأيهات وهيهات وهيهاتا وهيهاء» قال رؤبة، «هيهاه» من منخرق «هيهاوه»، وقرأ ابن أبي عبلة «هيهات هيهات ما توعدون» بغير لام، وقولهم إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا أرادوا أنه لا وجود لنا غير هذا الوجود، وإنما تموت منا طائفة فتذهب وتجيء طائفة جديدة، وهذا كفر الدهرية وبِمُؤْمِنِينَ معناه بمصدقين، ثم دعا عليهم نبيهم وطلب عقوبتهم على تكذيبهم.