المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٤٦
والجمهور بالواو وكذلك في سائر المصاحف، وأمره اللّه تعالى بالتوكل عليه في كل أمره، ثم جاء بالصفات التي تؤنس المتوكل وهي العزة والرحمة المذكورتان في أواخر قصص الأمم المذكورة في هذه السورة، وضمنها نصر كل نبي على الكفرة والتهمم بأمره والنظر إليه، وقوله الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ
، يَراكَ
عبارة عن الإدراك، وظاهر الآية أراد قيام الصلاة، ويحتمل أن يريد سائر التصرفات وهو تأويل مجاهد وقتادة، وقوله فِي السَّاجِدِينَ قيل يريد أهل الصلاة أي صلاتك مع المصلين، قاله ابن عباس وعكرمة وغيرهما، وقال أيضا مجاهد يريد تقلبك أي تقليبك عينك وأبصارك الساجدين حين تراهم من وراء ظهرك.
قال القاضي أبو محمد : وهذا معنى أجنبي هنا، وقال ابن عباس أيضا وقتادة أراد تقلبك في المؤمنين فعبر عنهم ب السَّاجِدِينَ، وقال ابن جبير أراد الأنبياء أي تقلبك كما تقلب غيرك من الأنبياء، وقوله تعالى : هَلْ أُنَبِّئُكُمْ معناه قل لهم يا محمد هل أخبركم عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ وهذا استفهام توقيف وتقرير، و«الأفاك» الكذاب، و«الأثيم» الآثم. ويريد الكهنة لأنهم كانوا يتلقون من الشياطين الكلمة الواحدة التي سمعت من السماء، فيخلطون معها مائة كذبة، فإذا صدقت تلك الكلمة كانت سبب ضلالة لمن سمعها، وقوله يُلْقُونَ يعني الشياطين، ويقتضي ذلك أن الشيطان المسترق أيضا كان يكذب إلى ما سمع هذا في الأكثر، ويحتمل الضمير في يُلْقُونَ أي يكون للكهنة فإفكهم وحالهم التي تقتضي نفي كلامهم عن كلام كتاب اللّه عقب ذلك بذكر الشُّعَراءُ وحالهم لينبه على بعد كلامهم من كلام القرآن، إذ قال في القرآن بعض الكفرة إنه شعر، وهذه الكناية هي عن شعراء الجاهلية، حكى النقاش عن السدي أنها في ابن الزبعرى وأبي سفيان بن الحارث وهبيرة بن أبي وهب ومسافع الجمحي وأبي عزة وأمية بن أبي الصلت.
قال القاضي أبو محمد : والأولان ممن تاب رضي اللّه عنهما، ويدخل في الآية كل شاعر مخلط يهجو ويمدح شهوة ويقذف المحصنات ويقول الزور، وقرأ نافع «يتبعهم» بسكون التاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن والحسن بخلاف عنه، وقرأ الباقون بشد التاء وكسر الباء، واختلف الناس في قوله الْغاوُونَ، فقال ابن عباس هم الرواة وقال ابن عباس أيضا هم المستحسنون لأشعارهم المصاحبون لهم، وقال عكرمة هم الرعاع الذين يتبعون الشاعر ويتغنمون إنشاده وهذا أرجح الأقوال، وقال مجاهد وقتادة الْغاوُونَ الشياطين، وقوله فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ عبارة عن تخليطهم وخوضهم في كل فن من غث الكلام وباطله وتحسينهم القبيح وتقبيحهم الحسن قاله ابن عباس وغيره، وقوله، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ، ذكر لتعاطيهم وتعمقهم في مجاز الكلام حتى يؤول إلى الكذب، وفي هذا اللفظ عذر لبعضهم أحيانا فإنه يروى أن النعمان بن عدي لما ولاه عمر بن الخطاب ميسان وقال لزوجته الشعر المشهور عزله عمر فاحتج عليه بقوله تعالى : وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ فدرأ عنه عمر الحد في الخمر، وروى جابر ابن عبد اللّه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال من مشى سبع خطوات في شعر كتب من الغاوين ذكره أسد بن موسى وذكره النقاش.
قوله عز وجل :


الصفحة التالية
Icon