المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٢٩١
بهما التوراة والإنجيل، قال عكرمة، وقال ابن عباس : التوراة والقرآن، وقرأ ابن مسعود «سحران اظاهرا» وهي قراءة طلحة والضحاك.
قال القاضي أبو محمد : ويحتمل أن يريد بما أُوتِيَ مُوسى أمر محمد الذي في التوراة كأنه يقول وما يطلبون بأن يأتي ب مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى وهم قد كفروا في التكذيب بك بما أوتيه موسى من الإخبار بك، وقوله إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ يؤيد هذا التأويل، وتَظاهَرا معناه تعاونا، وقوله تعالى : قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الآية، هذه حجة أمره اللّه تعالى أن يصدع بها، أي أنتم أيها المكذبون بهذه الكتب التي قد تضمنت الأمر بالعبادات ومكارم الأخلاق ونهت عن الكفر والنقائص ووعد اللّه تعالى مع ذلك الثواب عليها الجزيل إن كان تكذيبهم لمعنى وبحال صحة فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يهدي أكثر من هدي هذه أتبعه معكم، ثم قال تعالى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ وهو قد علم أنهم لا يستجيبون على معنى الإيضاح لفساد حالهم، وسياق القياس البين لأنهم متبعون لأهوائهم، ثم عجب تعالى من ضلال من تبع هواه بغير هداية ولغير مقصد نير وقرر على ذلك على جهة البيان أي لا أحد أضل منه.
قوله عز وجل :
[سورة القصص (٢٨) : الآيات ٥١ الى ٥٥]
وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥١) الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ قالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣) أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٥٤) وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقالُوا لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ (٥٥)
الذين وصل لَهُمُ الْقَوْلَ هم قريش قاله مجاهد وغيره، وقال أبو رفاعة القرظي : نزلت في اليهود في عشرة أنا أحدهم ذكره الطبري، وقال الجمهور : معناه واصلنا لهم في القرآن وتابعناه موصولا بعضه ببعض في المواعظ والزجر والدعاء إلى الإسلام، قال الحسن وفي ذكر الأمم المهلكة وصلت لهم قصة بقصة حسب مرور الأيام، وذهب مجاهد أن معنى وَصَّلْنا فصلنا أي جعلناه أوصالا من حيث كان أنواعا من القول في معان مختلفة، ومعنى اتصال بعضه ببعض حاصل من جهة أخرى لكن إنما عدد عليهم هاهنا تقسيمه في أنواع من القول، وذهب الجمهور إلى أن هذا التوصيل الذي وصل لهم القول معناه وصل المعاني من الوعظ والزجر وذكر الآخرة وغير ذلك، وذهبت فرقة إلى أن الإشارة بتوصيل القول إنما هي إلى الألفاظ أي إلى الإعجاز، فالمعنى وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ قولا معجزا على نبوتك.
قال القاضي أبو محمد : والمعنى الأول تقديره وَلَقَدْ وَصَّلْنا لَهُمُ قولا تضمن معاني من تدبرها اهتدى، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «و لقد وصلنا» بتخفيف الصاد، وقوله لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ أي في طمع البشر، وظاهر الأمر عندهم وبحسبهم، ثم ذكر تعالى القوم الذين آمنوا من أهل الكتاب مباهيا بهم قريشا، واختلف إلى من الإشارة، فقيل إلى جماعة من اليهود أسلمت وكانت تلقى من الكفار أذى، وقيل إلى بحيرا