المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٢١
الحرب، ومن قال وصرح بأن للّه ولدا أو له شريك أو يده مغلولة، فالآية على هذا منسوخة في مهادنة من لم يحارب، قال قتادة هي منسوخة بقول اللّه تعالى قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [التوبة : ٢٩].
قال الفقيه الإمام القاضي : والذي يتوجه في معنى الآية إنما يتضح مع معرفة الحال في وقت نزول الآية، وذلك أن السورة مكية من بعد الآيات العشر الأول، ولم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض ولا طلب جزية ولا غير ذلك، وكانت اليهود بمكة وفيما جاورها فربما وقع بينهم وبين بعض المؤمنين جدال واحتجاج في أمر الدين وتكذيب، فأمر اللّه تعالى المؤمنين ألا يجادلوهم بالمحاجة إلا بالحسنى دعاء إلى اللّه تعالى وملاينة، ثم استثنى من ظلم منهم المؤمنين إما بفعل، وإما بقول، وإما بإذاية محمد صلى اللّه عليه وسلم، وإما بإعلان كفر فاحش كقول بعضهم عزير ابن اللّه ونحو هذا، فإن هذه الصنيفة استثني لأهل الإسلام مقارضتها بالتغيير عليها والخروج معها عن التي هي أحسن، ثم نسخ هذا بعد بآية القتال والجزية وهذا قول قتادة وقوله تعالى : وَقُولُوا آمَنَّا الآية، قال أبو هريرة كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرانية فيفسرونها بالعربية للمسلمين، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم، وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ. وروى عبد اللّه بن مسعود أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال :«لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد ضلوا إما أن تكذبوا بحق وإما أن تصدقوا بباطل».
قوله عز وجل :
[سورة العنكبوت (٢٩) : الآيات ٤٧ الى ٤٩]
وَكَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ (٤٧) وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨) بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩)
تقدم في الآية التي قبل هذه ما يتضمن نزول شرع وكتاب من عند اللّه على أنبياء قبل محمد عليه السلام فحسن لذلك عطف كَذلِكَ أَنْزَلْنا على ما في المضمر، أي وكما أنزلنا على من تقدمك أنزلنا إليك، والْكِتابِ القرآن، وقوله فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يريد التوراة والإنجيل، أي فالذين كانوا في عصر نزول الكتاب وأوتوه حينئذ يُؤْمِنُونَ بِهِ أي كانوا مصدقين بهذا الكتاب الذي أنزلناه إليك، فالضمير في بِهِ عائد على القرآن، ثم أخبر عن معاصري محمد صلى اللّه عليه وسلم أن منهم أيضا مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ ولم يكونوا آمنوا بعد، ففي هذا إخبار بغيب بينه الوجود بعد ذلك، ثم أنحى على الجاحدين من أمة قد آمن سلفها في القديم وبعضها في الحديث، وحصل الجاحدون في أخس رتبة من الضلال، ويشبه أن يراد أيضا في هذا الإنحاء كفار قريش مع كفار بني إسرائيل، ثم بين تعالى الحجة على «المبطلين» المرتابين ما وضح أن مما يقوي نزول هذا القرآن من عند اللّه أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم جاء به في غاية الإعجاز والطول والتضمن للغيوب وغير ذلك وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ولا يتلو كتابا ولا يخط حرفا ولا سبيل له


الصفحة التالية
Icon