المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٤٧
أن يعود الضمير على السَّماواتِ فيكون المعنى أن السماء بغير عمد وأنها ترى كذلك، وهذا قول الحسن والناس، وتَرَوْنَها على هذا القول في موضع نصب على الحال، ويحتمل أن يعود الضمير على «العمد» فيكون تَرَوْنَها صفة للعمد في موضع خفض، ويكون المعنى أن السماء لها عمد لكن غير مرئية قاله مجاهد ونحا إليه ابن عباس، والمعنى الأول أصح والجمهور عليه، ويجوز أن تكون تَرَوْنَها في موضع رفع على القطع ولا عمد ثم، و«الرواسي» هي الجبال التي رست أي ثبتت في الأرض، وقوله : أَنْ تَمِيدَ بمعنى لئلا تميد، والميد التحرك يمنة ويسرة وما قرب من ذلك، وقوله تعالى : مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي من كل نوع، و«الزوج» في اللغة النوع والصنف وليس بالذي هو ضد الفرد، وقوله تعالى : كَرِيمٍ يحتمل أن يريد مدحه من جهة إتقان صنعه وظهور حسن الرتبة والتحكيم للصنع فيه فيعم حينئذ جميع الأنواع لأن هذا المعنى في كلها، ويحتمل أن يريد مدحه بكرم جوهره وحسن منظره ومما تقضي له النفوس بأنه أفضل من سواه حتى يستحق الكرم، فتكون الأزواج على هذا مخصوصة في نفائس الأشياء ومستحسناتها، ولما كان عظم الموجودات كذلك خصص الحجة بها. وقوله :«أنبتنا» يعم جميع أنواع الحيوان وأنواع النبات والمعادن، ثم وقف تعالى الكفار على جهة التوبيخ وإظهار الحجة على أن هذه الأشياء هي مخلوقات اللّه تعالى، ثم سألهم أن يوجده ما خلق الأوثان والأصنام وغيرهم ممن عبد، أي أنهم لن يخلقوا شيئا، بل هذا الذي قريش فيه ضلال مبين، فذكرهم بالصفة التي تعم معهم سواهم ممن فعل فعلهم من الأمم، وقوله : ماذا يجوز أن تكون «ما» استفهاما في موضع رفع بالابتداء و«ذا» خبرها بمعنى الذي والعائد محذوف، ويجوز أن تكون «ما» مفعولة ب «أروني» و«ذا» و«ما» بمعنى الذي والعائد محذوف تقديره في الوجهين خلقه.
قوله عز وجل :
[سورة لقمان (٣١) : الآيات ١٢ الى ١٣]
وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (١٢) وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (١٣)
لُقْمانَ حكيم بحكمة اللّه تعالى وهي الصواب في المعتقدات والفقه في الدين والعقل، واختلف هل هو نبي مع ذلك أو رجل صالح فقط، فقال بنبوءته عكرمة والشعبي، وقال بصلاحه فقط مجاهد وغيره، وقال ابن عباس : سمعت النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول «لم يكن لقمان نبيا ولكن كان عبدا كثير التفكر حسن اليقين أحب اللّه فأحبه فمن عليه بالحكمة وخيره في أن يجعله خليفة يحكم بالحق، فقال يا رب إن خيرتني قبلت العافية وتركت البلاء وإن عزمت علي فسمعا وطاعة فإنك ستعصمني وكان قاضيا في بني إسرائيل نوبيا أسود مشقق الرجلين ذا مشافر»، قاله سعيد بن المسيب ومجاهد وابن عباس، وقال له رجل كان قد رعى معه الغنم ما بلغ بك يا لقمان ما أرى؟ قال : صدق الحديث والصمت عما لا يعني، وقال ابن المسيب : كان من سودان مصر من النوبة، وقال خالد بن الربيع : كان نجارا، وقيل كان خياطا، وقيل كان راعيا، وحكم لقمان كثيرة مأثورة، قيل له وأي الناس شر؟ قال الذي لا يبالي إن رآه الناس مسيئا.