المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٦٢
جفا الرجل الموضع إذا تركه، و«تجافى الجنب» عن مضجعه إذا تركه وجافى الرجل جنبه عن مضجعه، ومنه في الحديث «و يجافي بضبعيه» أي يبعدهما عن الأرض وعن يديه، فقوله تَتَجافى جُنُوبُهُمْ أي تبعد وتزول، ومنه قول عبد اللّه بن رواحة :[الطويل ]
نبيّ تجافى جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع
ويروى يبيت يجافي، قال الزجاج والرماني : التجافي التنحي إلى جهة فوق.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا قول حسن، وكذلك في الصفح عن المخطي في سب ونحوه، و«الجنوب» جمع جنب، و«المضجع» موضع الاضطجاع للنوم، وقال أنس بن مالك : أراد بهذه الآية الصلاة بين المغرب والعشاء، وقال عطاء وأبو سلمة أراد صلاة العشاء الآخرة، وقال أبو محمد : وكانت الجاهلية ينامون من أول المغرب ومن أي وقت شاء الإنسان فجاء انتظار وقت العشاء الآخرة غريبا شاقا، وقال أنس بن مالك أيضا : أراد انتظار العشاء الآخرة لأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يؤخرها إلى نحو ثلث الليل وفي ذلك أحاديث كثيرة، وقال الضحاك :«تجافي الجنب» هو أن يصلي الرجل العشاء والصبح في جماعة وهذا قول حسن يساعده لفظ الآية، وقال الجمهور من المفسرين : أراد بهذا التجافي صلاة النوافل بالليل.
قال الفقيه الإمام القاضي : وعلى هذا التأويل أكثر الناس، وهو الذي فيه المدح، وفيه أحاديث عن النبي صلى اللّه عليه وسلم يذكر قيام الليل ثم يستشهد بالآية، ذكره الطبري عن معاذ بن جبل، ورجح الزجاج هذا القول بأنهم جزوا بإخفاء فدل ذلك على أن العمل إخفاء أيضا وهو قيام الليل، وقوله يَدْعُونَ يحتمل أن يكون في موضع الحال من الموصوفين، أي في وقت التجافي، ويحتمل أن يكون صفة مستأنفة، أي تَتَجافى جُنُوبُهُمْ وهم أيضا في كل أحوالهم يَدْعُونَ ليلهم ونهارهم. و«الخوف» من عذاب اللّه، و«الطمع» في ثواب اللّه. ويُنْفِقُونَ قيل معناه الزكاة المفروضة وقيل النوافل والصدقات غير المفروضة وهذا القول أمدح، ثم ذكر تعالى وعدهم من النعيم بما لم تعلمه نفس ولا بشر ولا ملك، وقرأ حمزة وحده «أخفي» بسكون الياء كأنه قال أخفي أنا وهي قراءة الأعمش، وروي عنه «ما أخفيت لهم من قرة أعين»، وقرأ عبد اللّه «ما نخفي لهم» بالنون مضمومة، وروى المفضل عن الأعمش «ما يخفى لهم» بالياء المضمومة وفتح الفاء، وقرأ محمد بن كعب «ما أخفى» بفتح الهمزة، أي ما أخفى اللّه، وقرأ جمهور الناس «أخفي» بفتح الياء على بناء الفعل للمفعول، وما يحتمل أن تكون بمعنى الذي، فعلى القراءة الأولى فثم ضمير محذوف تقديره أخفيه، وعلى قراءة الجمهور فالضمير الذي لم يسم فاعله يجري في العودة على الذي، ويحتمل أن تكون استفهاما، فعلى القراءة الأولى فهي في موضع نصب ب «أخفي» وعلى القراءة الثانية هي في موضع رفع بالابتداء، وقُرَّةِ أَعْيُنٍ ما تلذه وتشتهيه وهي مأخوذة من القر كما