المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٧٥
على المخاطبة، ثم وبخهم بأن اللّه يعلم الْمُعَوِّقِينَ وهم الذين يعوقون الناس عن نصرة الرسول ويمنعونهم بالأقوال والأفعال من ذلك، ويسعون على الدين، وتقول عاقني أمر كذا وعوّقني إذا بالغت وضعفت الفعل، وأما «القائلون» فاختلف الناس في حالهم، فقال ابن زيد وغيره أراد من كان من المنافقين، يقول لإخوانه في النسب وقرابته هَلُمَّ إِلَيْنا أي إلى المنازل والأكل والشرب وترك القتال، وروي أن جماعة منهم فعلت ذلك، وروي أن رجلا من المؤمنين رجع إلى داره فوجد أخا له منافقا بين يديه رغيف وشواء وتين، فقال له : تجلس هكذا ورسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في القتال، فقال له أخوه : هلم إلى ما أنا فيه يا فلان ودعنا من محمد فقد واللّه هلك وما له قبل بأعدائه، فشتمه أخوه وقال : واللّه لأعرفن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذهب إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فوجد الآية قد نزلت. وقالت فرقة بل أراد من كان من المنافقين يداخل كفار قريش من العرب فإنه كان منهم من داخلهم وقال لهم هَلُمَّ إِلَيْنا أي إلى المدينة فإنكم تغلبون محمدا وتستأصلونه، فالإخوان على هذا هم في الكفر والمذهب السوء، وهَلُمَّ معناه : الدعاء إلى الشيء، ومن العرب من يستعملها على حد واحد للمذكر والمؤنث والمفرد والجميع، وهذا على أنها اسم فعل، هذه لغة أهل الحجاز، ومنهم من يجريها مجرى الأفعال فيلحقها الضمائر المختلفة فيقول هلم وهلمي وهلموا، وأصل هَلُمَّ هالمم نقلت حركة الميم إلى اللام فاستغني عن الألف وأدغمت الميم في الميم لسكونها فجاء هَلُمَّ، وهذا مثل تعليل رد من أردد، والْبَأْسَ القتال، وإِلَّا قَلِيلًا معناه إلا إتيانا قليلا، وقلته يحتمل أن يكون لقصر مدته وقلة أزمنته، ويحتمل أن يكون لخساسته وقلة غنائه وأنه رياء وتلميع لا تحقيق.
قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : آية ١٩]
أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (١٩)
أَشِحَّةً، جمع شحيح ونصبه على الحال من الْقائِلِينَ [الأحزاب : ١٨]، أو من فعل مضمر دل عليه الْمُعَوِّقِينَ [الأحزاب : ١٨]، أو من الضمير في يَأْتُونَ [الأحزاب : ١٨] أو على الذم، وقد منع بعض النحاة أن يعمل في هذه الحال الْمُعَوِّقِينَ [الأحزاب : ١٨] والْقائِلِينَ [الأحزاب : ١٨] لمكان التفريق بين الصلة والموصول بقوله وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ [الأحزاب : ١٨] وهو غير داخل في الصلة، وهذا الشح قيل هو بأنفسهم يشحون على المؤمنين بها، وقيل هو بإخوانهم، وقيل بأموالهم في النفقات في سبيل اللّه، وقيل بالغنيمة عند القسم. والصواب تعميم الشح أن يكون بكل ما فيه للمؤمنين منفعة. وقوله تعالى :
فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ قيل معناه فإذا قوي الخوف من العدو وتوقع أن يستأصل جميع أهل المدينة لاذ هؤلاء المنافقون بك يَنْظُرُونَ نظر الهلع المختلط كنظر الذي يُغْشى عَلَيْهِ فَإِذا ذَهَبَ ذلك الْخَوْفُ العظيم وتنفس المخنق سلقوا أي خاطبوا مخاطبة بليغة، يقال خطيب سلاق ومسلاق ومسلق ولسان أيضا