المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٧٦
كذلك إذا كان فصيحا مقتدرا، وقرأ ابن أبي عبلة «صلقوكم» بالصاد ووصف الألسنة ب «الحدة» لقطعها المعاني ونفوذها في الأقوال، وقالت فرقة معنى قوله تعالى : فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ، أي إذا كان المؤمنون في قوة وظهور وخشي هؤلاء المنافقون سطوتك يا محمد بهم رأيتهم يصانعون وينظرون إليك نظر فازع منك خائف هلع، فإذا ذهب خوفك عنهم باشتغالك بعدو ونحوه كما كان مع الأحزاب سَلَقُوكُمْ حينئذ، واختلف الناس في المعنى الذي فيه يسلقون، فقال يزيد بن رومان وغيره : ذلك في أذى المؤمنين وسبهم وتنقص الشرع ونحو هذا، وقال قتادة : ذلك في طلب العطاء من الغنيمة والإلحاح في المسألة.
قال القاضي أبو محمد : وهذان القولان يترتبان مع كل واحد من التأويلين المتقدمين في الخوف، وقالت فرقة السلق هو في مخادعة المؤمنين بما يرضيهم من القول على جهة المصانعة والمخاتلة، وقوله تعالى : أَشِحَّةً حال من الضمير في سَلَقُوكُمْ، وقوله عَلَى الْخَيْرِ يدل على عموم الشح في قوله أولا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ، وقيل في هذا معناه أَشِحَّةً على مال الغنائم، وهذا مذهب من قال إن الْخَيْرِ في كتاب اللّه تعالى حيث وقع فهو بمعنى المال، وقرأ ابن أبي عبلة «أشحة» بالرفع، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم لَمْ يُؤْمِنُوا ولا كمل تصديقهم، وجمهور المفسرين على أن هذه الإشارة إلى منافقين لم يكن لهم قط إيمان، ويكون قوله فَأَحْبَطَ اللَّهُ أي أنها لم تقبل قط، فكانت كالمحبطة، وحكى الطبري عن ابن زيد عن أبيه أنه قال نزلت في رجل بدري نافق بعد ذلك ووقع في هذه المعاني فَأَحْبَطَ اللَّهُ عمله في بدر وغيرها.
قال الفقيه الإمام القاضي : وهذا فيه ضعف، والإشارة ب ذلِكَ في قوله وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً يحتمل أن تكون إلى إحباط عمل هؤلاء المنافقين، ويحتمل أن تكون إلى جملة حالهم التي وصف من شحهم ونظرهم وغير ذلك من أعمالهم، أي أن أمرهم يسير لا يبالي به ولا له أثر في دفع خير ولا جلب شر.
قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٠ الى ٢١]
يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ وَلَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلاَّ قَلِيلاً (٢٠) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً (٢١)
الضمير في يَحْسَبُونَ للمنافقين، والمعنى أنهم من الجزع والفزع بحيث رحل الْأَحْزابَ وهزمهم اللّه تعالى وهؤلاء يظنون أنها من الخدع وأنهم لَمْ يَذْهَبُوا بل يريدون الكرة إلى غلب المدينة، ثم أخبر تعالى عن معتقد هؤلاء المنافقين أن ودهم لو أتى الأحزاب وحاصروا المدينة أن يكونوا هم قد خرجوا إلى البادية في جملة الْأَعْرابِ وهم أهل العمود والرحيل من قطر إلى قطر، ومن كان من العرب مقيما بأرض مستوطنا فلا يسمون أعرابا وغرضهم من البداوة أن يكونوا سالمين من القتال، وقرأ ابن عباس وطلحة بن مصرف «لو أنهم بدّى في الأعراب» شديدة الدال منونة وهو جمع باد كغاز وغزى، وروي عن ابن