المحرر الوجيز، ج ٤، ص : ٣٧٧
عباس «لو أنهم بدوا»، وقرأ أهل مكة ونافع وابن كثير والحسن «يسألون» أي من ورد عليهم، وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش «يسلون» خفيفة بغير همز على نحو قوله سَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ [البقرة : ٢١١] وقرأ الجحدري وقتادة والحسن بخلاف عنه «يساءلون» أي يسأل بعضهم بعضا. قال الجحدري «يتساءلون»، ثم سلى اللّه تعالى عنهم وحقر شأنهم بأن أخبر أنهم لو حضروا لما أغنوا ولما «قاتلوا إلا قتالا قليلا» لا نفع له، قال الثعلبي هو قليل من حيث هو رياء من غير حسبة ولو كان للّه لكان كثيرا، ثم أخبر تعالى على جهة الموعظة بأن كل مسلم ومدع في الإسلام لقد كان يجب أن يقتدي بمحمد عليه السلام حين قاتل وصبر وجاد بنفسه. وقرأ جمهور الناس «إسوة» بكسر الهمزة، وقرأ عاصم وحده «أسوة» بضم الهمزة وهما لغتان معناه قدوة، وتأسى الرجل إذا اقتدى، ورجاء اللّه تعالى تابع للمعرفة به، ورجاء اليوم الآخر ثمرة العمل الصالح، وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً من خير الأعمال، فنبه عليه، وفي مصحف عبد اللّه بن مسعود «يحسبون الأحزاب قد ذهبوا فإذا وجدوهم لم يذهبوا ودوا لو أنهم بادون في الأعراب».
قوله عز وجل :
[سورة الأحزاب (٣٣) : الآيات ٢٢ الى ٢٤]
وَلَمَّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَما زادَهُمْ إِلاَّ إِيماناً وَتَسْلِيماً (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً (٢٤)
وصف اللّه تعالى المؤمنين حين رأوا تجمع الأحزاب لحربهم وصبرهم على الشدة وتصديقهم وعد اللّه تعالى على لسان نبيه، واختلف في مراد المؤمنين بوعد اللّه ورسوله لهم، فقالت فرقة : أرادوا ما أعلمهم به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم حين أمر بحفر الخندق فإنه أعلمهم بأنهم سيحصرون وأمرهم بالاستعداد لذلك وأعلمهم بأنهم سينصرون من بعد ذلك، فلما رأوا الأحزاب قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ فسلموا لأول الأمر وانتظروا آخره، وقالت فرقة : أرادوا بوعد اللّه ما نزل في سورة البقرة من قوله : أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة : ٢١٤].
قال الفقيه الإمام القاضي : ويحتمل أن يكون المؤمنون نظروا في هذه الآية، وفي قول رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند أمرهم بحفر الخندق، وأشاروا بالوعد إلى جميع ذلك، وهي مقالتان إحداهما من اللّه والأخرى من رسوله، وزيادة الإيمان هي في أوصافه لا في ذاته لأن ثبوته وإبعاد الشكوك عنه والشبه زيادة في أوصافه، ويحتمل أن يريد إيمانهم بما وقع وبما أخبر به رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم مما لم يقع فتكون الزيادة في هذا الوجه فيمن يؤمن به لا في نفس الإيمان، وقرأ ابن أبي عبلة «و ما زادوهم» بواو جمع، و«التسليم» الانقياد لأمر اللّه تعالى كيف جاء، ومن ذلك ما ذكرناه من أن المؤمنين قالوا لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عند اشتداد ذلك الخوف : يا رسول اللّه إن هذا أمر عظيم فهل من شيء نقوله؟ فقال :